يعد سوق «البصرة القديمة» من الأسواق التراثية الشعبية الشهيرة في مدينة البصرة. وقد جاءت تسميته نسبة إلى المنطقة المحيطة به، والتي تعد من أقدم مناطق المدينة وتضم بيوتا تراثية (شناشيل).
ويوفر السوق مختلف المواد الغذائية والسلع المنزلية، إضافة إلى اللحوم والأسماك. ونظرا لرخص أسعار بضاعته، مقارنة بالأسواق التجارية الأخرى، يرتاده غالبا مواطنون من الشرائح الفقيرة وذات الدخل المحدود.
هذا السوق ورغم أهميته التجارية ومكانته التراثية والتاريخية، يعاني منذ سنوات إهمالا حادا في مجال الخدمات. فمن يدخل إليه، خاصة خلال موسم الأمطار، يحتاج إلى أن يرتدي حذاء مطريا، كون أزقته غاصة بالأوحال والمياه الآسنة، فضلا عن النفايات ومخلفات المطاعم وفضلات تنظيف الأسماك والدجاج والخضار التالف. فيما الرائحة الكريهة تنتشر في جميع أرجاء السوق!
مأساة خدمية مخجلة!
غالبا ما يرتاد زائرو المدينة والسائحون، مثلما حصل خلال أيام بطولة «خليجي 25»، هذا السوق، باعتباره معلما تراثيا معروفا يجسد وجه المدينة القديم. أما الزائرون القادمون من محافظات البلاد، فيرتادون في الغالب سوق السمك، كي يطلعوا على الأسماك البحرية التي تنفرد بها البصرة ويشتروا منها، وأحيانا يصورونها بكاميرات هواتفهم ويرسلون الصور إلى أهاليهم وأصدقائهم، ناقلين معها مشاهد لمأساة خدمية مخجلة!
لا نظافة ولا تنظيم
بعض المواطنين لا يفضلون الشراء من هذا السوق، خاصة بالنسبة للأسماك واللحوم، بسبب حجم التلوث الواضح في جميع أزقته. إذ يخشى الناس أن تكون المواد الغذائية الموجودة في السوق معرضة للجراثيم والأوبئة بسبب عدم نظافة المكان واكتظاظه بالبسطات غير المنظمة التي تعرض بضاعتها في الهواء الطلق، الأمر الذي يضعف الإقبال على هذه البضاعة، وبالتالي يضر البائع.
وفي المساء، بعد أن يغادر الباعة والمتبضعون السوق، تخرج الجرذان ومختلف القوارض والحيوانات السائبة، لتحتفل وسط أكوام النفايات المتناثرة هنا وهناك!
مستثنى من مشاريع الإعمار
خلال السنوات الأخيرة شهدت البصرة مشاريع إعمار وبناء في معظم مناطقها، خاصة في مركز المحافظة. وبالرغم من كون هذا السوق يقع في قلب البصرة، إلا أنه لم يحظَ بأيٍ من تلك المشاريع، ما يكشف عن تقصير حكومي كبير في هذا المجال.
ومما أشعر أهالي البصرة بالإحراج والأسف أيضا، هو أن الكثيرين من زائري المدينة من الوفود الخليجية وأبناء المحافظات الأخرى خلال أيام بطولة الخليج، توافدوا على هذا السوق، باعتباره شاخصا تراثيا، وبالتأكيد شاهدوا واقعه المأساوي الذي بدا غير مألوف ومختلفا تماما عن بقية مناطق مركز المحافظة التي وصلتها يد الاعمار. فكان من المفترض أن ينال هذا المكان الاهتمام الذي يستحقه.
باعة السمك يهجرون السوق
الكثيرون من باعة السمك في سوق «البصرة القديمة»، وبسبب تدهور الواقع الخدمي في مكان عملهم وضعف إقبال المتبضعين عليهم، اضطروا إلى مغادرة السوق والتحول إلى باعة جوالين. إذ اشترى بعضهم عربة خشبية وآخر ستوتة أو سيارة «بيك آب»، يحمّل فيها اسماكه ويتجول في الأحياء السكنية.
هذا الأمر خلق مشكلة جديدة. إذ إن نقل الأسماك وعرضها وبيعها بهذه الصورة مخالف للشروط الصحية، ناهيك عما يخلفه ذلك من فوضى وتشويه لنظام الحركة التجارية في المدينة.
ويرى العديد من هؤلاء الباعة، في حديث لـ «طريق الشعب»، أن «من واجب الحكومة المحلية ودوائرها البلدية، الاهتمام بالسوق، من حيث تزويده بالبنى التحتية ومستلزمات التهوية ورفده بخدمات النظافة، فضلا عن تنظيم عمل الباعة بالشكل الذي يعكس الوجه الحضاري للمدينة».
ويضيف الباعة، أن «الأمر لا يقتصر فقط على هذا السوق، إنما جميع الأسواق الشعبية في المدينة، ومنها سوق العشار. فمعظم هذه الأسواق تعاني ترديا من ناحية الخدمات، رغم كونها توفر فرص عمل للآلاف من الكادحين».
ان إحياء الأماكن التراثية، ومنها سوق «البصرة القديمة»، مهمة إنسانية تقع على عاتق الحكومات والمواطنين أيضا. لذلك، يتوجب على الجهات المسؤولة، لا سيما دائرة البلدية، إيلاء هذا السوق الاهتمام الذي يستحقه والذي يوازي قيمته التاريخية.