اخر الاخبار

ألقت الأزمات الاقتصادية والمعيشية الكبيرة التي مر بها العراق منذ 2003 ولا يزال، بثقلها على كاهل المواطن، لاسيما الفقير والمعدم، في وقت تواصل فيه الحكومات تجاهل معاناة الناس وعدم وضع حلول ومعالجات مناسبة لإيقاف تدهور أوضاعهم المعيشية. فالبطالة تتسع يوما بعد آخر، ومعها آفة الفقر التي شملت وفق آخر إحصائية لوزارة العمل والشؤون الاجتماعية، 25 في المائة من عدد السكان الكلي، ناهيك عن أزمة السكن ومشكلة الغلاء وعدم تنظيم حركة السوق.   

وجاءت أزمة ارتفاع أسعار المواد الغذائية والاستهلاكية لتضع أحمالا إضافية على كاهل المواطنين، بعد أن أقدمت الجهات الرسمية على رفع سعر صرف الدولار بالدينار العراقي، والذي وصل هذه الأيام إلى 161 ألف دينار عراقي لكل 100 دولار، ما أثر سلباً على حركة السوق وأدى إلى ارتفاع الأسعار بشكل جنوني، وبالتالي كان المتضرر الأكبر من هذه الأزمة، هو المواطن.

وباتت معاناة الفقراء وذوو الدخل المحدود متجاوزة الحدود. فهؤلاء يعتمدون في تأمين قوت عائلاتهم على أجر يومي بسيط، وتحت وطأة الغلاء الفاحش صارت أجورهم لا تغطي حتى النزر اليسير من نفقاتهم، وفي المقابل تواصل الحكومة تجاهلهم وعدم إغاثتهم!

وبدت الأجواء هذه الأيام في الأسواق التجارية، مُربكة بسبب الركود وضعف الإقبال على شراء البضائع. إذ أوقف كثير من التجار استيراد البضائع من الخارج، تحسباً لأي تغييرات جديدة تطرأ على سعر صرف الدولار.

ومن أجل نقل صورة عن أثر ارتفاع أسعار المواد الغذائية على المواطن الفقير والكادح وذي الدخل المحدود، كانت لـ “طريق الشعب” لقاءات مع مواطنين من سكان مناطق بغدادية شعبية:

موادنا الغذائية نفدت!

المواطن كامل عبد، الذي يعمل على بسطة لبيع بعض السلع الرخيصة في مدينة الحرية، يقول أنه ينفق على عائلته مما يدره عليه عمله من مردود مالي بسيط، وبسبب ارتفاع الأسعار هذه الأيام وضعف حركة السوق، صار لا يستطيع تأمين حتى الجزء القليل من قوت عائلته.

ويضيف لـ “طريق الشعب” قائلا، أن “كل ما لدينا من مواد غذائية نفد، وبتُّ الآن في حيرة من أمري. كيف سأطعم عائلتي، من أين لي أن أوفر نفقات اشتراك المولدة وإيجار الشقة؟!”، مبينا أنه “لم نلمس من الحكومة سوى وعود لا تنفع ولا تسمن. فكل الشعارات التي رفعتها مثل تقليل نسبة الفقر ومعالجة ازمة الدولار لم تكن غير حبر على ورق!”.

ويرى عبد أن “المشكلات الاقتصادية التي ظهرت مع بداية مشوار الحكومة الحالية، جعلتنا نشك في قدرة هذه الحكومة على الإيفاء بالتزاماتها تجاه المواطن”.

الحكومة تغض النظر!

من جانه، يقول المواطن محمد عبد السادة، وهو متقاعد من سكان مدينة الشعلة، أنه يعيش اليوم وعائلته وضعا مزريا. إذ أصبح – وهو السبعيني الذي يعاني أمراضا مزمنة – غير قادر على تأمين قوت العائلة ومتطلباتها في ظل الغلاء الفاحش.

ويوضح لـ “طريق الشعب”، أن “ارتفاع الأسعار أثر بشكل كبير على حياتنا، وحرمنا من قوتنا المعتاد.. كل شيء صار غاليا، خاصة المواد الغذائية الأساسية من الدقيق والسكر والزيت واللحوم والبيض والفاكهة والخضراوات”، مشيرا إلى أن “الحكومة لا تزال تتجاهل معاناة الناس وتغض النظر عن المضاربات المالية والاحتكارات والجشع التجاري”.

ويتساءل عبد السادة: “أين لجان التفتيش؟ لماذا لا تتجول في الأسواق وتحاسب المتلاعبين بالأسعار، الذين باتوا يرفعونها بشكل غير معقول، أكثر مما يفرضه سعر الدولار؟!”.

من أزمة إلى أخرى!

المواطنة أم كاظم، تكشف عن معاناتها الكبيرة جراء الأزمات المتلاحقة التي يعيشها العراق. وتقول: “صرنا ندخل من أزمة إلى أخرى، وهكذا قضينا أعمارنا وسط الأزمات!”، لافتة إلى أن “العراق يحتاج إلى دولة قادرة على إدارة هذه الازمات بصورة حقيقية بعيدة عن التسويف والوعود. فقد مضت فترة طويلة على ارتفاع الأسعار بهذا الشكل اللافت للنظر، وحتى الآن لم نشاهد أي بادرة لمعالجة هذه المشكلة التي أرهقت المواطن وأنهكته”.

أما المواطن أبو ليث، من مدينة الحرية، فيتحدث عن الشلل الذي طال حركة السوق هذه الأيام، مبينا أنه “بسبب ارتفاع الأسعار انخفضت القدرة الشرائية للمواطن، وبالتالي أثر ذلك سلبا على حركة السوق. فالأسواق تبدو اليوم شبه خالية من المتبضعين، خاصة أسواق الجملة، بعد أن وصل سعر صرف الدولار بالدينار العراقي إلى أكثر من 160 ألف دينار. ما يعني أن الأزمة تضر البائع مثلما تضر المستهلك”.

استياء شعبي

وأثارت موجة الغلاء الحالية استياء شعبيا واسعا. إذ شهدت بغداد ومحافظات عديدة خلال الأيام الأخيرة، تظاهرات احتجاجية طالبت الحكومة بالتدخل لتنظيم سعر صرف الدولار وأسعار المواد الاستهلاكية في السوق، بعد أن أصبح المواطن، خاصة الفقير وذو الدخل المحدود، غير قادر على تأمين أبسط متطلبات معيشته.

وفي هذا الصدد يقول المواطن محمد قربج، أن “جميع المواد الغذائية زادت أسعارها بشكل غير معقول، أكثر مما فرضته الزيادة التي طرأت على سعر الدولار. فقنينة زيت الطعام مثلا أضيف على سعرها بين 500 و750 دينارا، وطبقة البيض وصلت إلى 7500 و8000 دينار، وكذا الأمر بالنسبة للمواد الغذائية الأساسية الأخرى والخضراوات والفاكهة، وحتى علبة العصير أو المشروبات الغازية الصغيرة ارتفع سعرها اليوم إلى 500 دينار بعد أن كانت تباع بـ 250 دينارا”!

ويضيف المواطن قائلا أن “أطفالنا باتوا لا يقتنعون إذا منحناهم ورقة من فئة 250 دينارا، لأنهم قد لا يجدون شيئا يشترونه بهذا المبلغ!”.

عرض مقالات: