اخر الاخبار

يعدّ التسول ظاهرة اجتماعية سلبية غير حضارية تنتشر في العديد من الدول ويعانيها الكثير من المجتمعات. فهي بالإضافة إلى ما تعكسه من فقر وعوز وتدهور معيشي واقتصادي بين فئات المجتمع، تفسح المجال لحالات النصب والاحتيال والخداع. إذ لا يبدو أن كل المتسولين محتاجون فعلا، فهناك من هم قادرون على العمل لكنهم يفضلون اتخاذ هذه الوسيلة مهنة سهلة تجلب لهم المال، بين من يدعي المرض ويحمل معه تقريرا طبيا مزورا، ومن يمثل دور المصاب بعاهة جسدية، وغير ذلك من الأساليب التمثيلية التي تستخدم لاستدرار عطف الناس.

وهناك الفقراء وأطفال الشوارع الذين يتسولون مرغمين بناء على حاجتهم الفعلية للمال. فيما ظهر نوع جديد من التسول، يتمثل في ادعاء المتسول بأن ماله سرق أو محفظة نقوده ضاعت منه أو نساها في المنزل، فيطلب من المارة بعض المال بذريعة استئجار وسيلة نقل تعيده إلى أهله.

هذه الظاهرة بصورها المختلفة، اتسعت خلال السنوات الأخيرة في معظم المدن العراقية، خاصة بغداد التي أصبح فيها التسول ما يشبه المهنة الرائجة. فلا يخلو شارع أو تقاطع أو مكان مزدحم من المتسولين، رجالا ونساء وشبابا وأطفالا، فضلا عن آخرين من بلدان أجنبية. 

وللوقوف على أسباب هذه الظاهرة، التقت “طريق الشعب” بعدد من المتسولين في بغداد:

“مهنة مخجلة لكني مضطر لها”

سلوان عبد الله (15 عاما)، يقول انه اضطر للجوء إلى هذه “المهنة المخجلة”، بعد أن ضاقت به سبل الحصول على فرصة عمل، مبينا أنه يقف يوميا في الشوارع العامة والتقاطعات، بطريقة تمويهية، على أساس أنه يبيع المناديل والعلكة.

ويؤكد عبد الله أنه يتكفل بمعيشة عائلة مكونة من 5 أفراد، وأن والده توفي وليس لديه راتب تقاعدي.

25 ألف دينار في اليوم

اضطرت أم علي منذ سنوات عدة، إلى التسول بعد استشهاد زوجها في حادث إرهابي. إذ إنها لم تجد وسيلة أخرى تسد بها رمق أطفالها الأيتام الأربعة، الذين يعيشون في غرفة متهالكة بمنطقة البتاويين.

تقول أم علي أنها كانت تحصل في اليوم على 20 إلى 25 ألف دينار، لكنها الآن تحصل على مبلغ بسيط، مؤكدة أنها وأطفالها الآن مهددون بالنوم في الشوارع، كونها لا تستطيع دفع مبلغ إيجار الغرفة.

رماهم في الشارع!

الطفلة سهى محمد، رماها والدها مع أمها وشقيقتها الأخرى في الشارع، فلم يكن أمامهن غير التسول!

تقول سهى أنها تتسول يوميا مع شقيقتها، لكن منذ قدوم رمضان صرن لا يحصلن على مبلغ يغطي الحاجة، بسبب ضعف حركة المواطنين في الشوارع، مؤكدة أنها أحيانا تضطر إلى البقاء مع شقيقتها في الشارع من دون طعام “خشية أن نعود إلى أمنا خاليتي الجيوب”!

أما الطفلة عبير علي (8 سنوات)، فهي تتسول بطريقة مختلفة، إذ تقوم بتنظيف زجاج السيارات عند التقاطعات، جالبة معها أطفالا آخرين معاقين (هم في الغالب أخوتها) بهدف استمالة عطف الناس.

تقول عبير، أن أخاها الصغير أصيب بحالة جفاف وضعف تغذية، بسبب عدم تناوله الطعام ليومين!

“العوز دفعني للذل”!

إلى ذلك، تقول أم يوسف، أن “العوز والحرمان دفعاني إلى طريق التسول المذل. فقد توفي زوجي ولم يترك لنا شيئا يذكر، مالا أو راتبا. لذا لم أجد أمامي غير هذه الوسيلة لأوفر طعام أطفالي”.

وتضيف، أنها تسكن مع أطفالها في هيكل بناية مهجورة في منطقة الشعلة، وتذهب يوميا مع الأطفال إلى سوق الشورجة لتستجدي المال من المتبضعين، مؤكدة أنها فشلت في الحصول على مهنة أخرى، وهي مستعدة لترك التسول في حال حصولها على فرصة عمل تجلب لها الرزق “فأنا لا أرفض العمل كخادمة في المنازل أو في غسل الملابس أو جمع العلب المعدنية”.

وتؤكد أم يوسف أيضا: “لو انني حصلت على راتب من الحكومة يسد رمق أطفالي، سأترك التسول فورا”، لافتة إلى أنها وأطفالها يعيشون أياما عدة من دون طعام، حتى تبادر إحدى العائلات الخيرة على مساعدتهم بما فاض لديها!

عرض مقالات: