اخر الاخبار

يبدو أن "حظ العراقيين" مع الراتب والوظيفة والشهادة الجامعية لا يزال عاثراً؛ فهم يعيشون بين متعاقدين ينتظرون رواتبهم منذ أشهر في ميسان، وعمال نفط يواجهون قرارات فصل مفاجئة في البصرة، وخريجين يضربون عن الطعام في خانقين طلباً للاعتراف بشهاداتهم، ومعلمين يصرخون في السليمانية بسبب تأخر صرف مستحقاتهم، تتوزع الاحتجاجات وكأنها خريطة واحدة لأزمات معيشية متراكمة، تكشف حجم الفجوة بين وعود الحكومات وواقع المواطنين.

سبعة أشهر بلا رواتب

في محافظة ميسان، خرج العشرات من المتعاقدين مع الدوائر الحكومية في تظاهرة أمام مبنى ديوان المحافظة، احتجاجاً على عدم صرف رواتبهم منذ سبعة أشهر.

المتعاقدون أكدوا أنهم يعملون بعقود رسمية منذ ثلاث سنوات ويتقاضون رواتبهم ضمن تخصيصات ديوان المحافظة، إلا أن رواتبهم الأخيرة لم تصلهم منذ مباشرتهم في وظائفهم، من دون أي توضيح رسمي لسبب التأخير.

وترجع جهات مسؤولة الأزمة إلى وجود أخطاء في الجداول المرسلة من الدوائر الحكومية إلى ديوان المحافظة، فضلاً عن ارتباك إداري حال دون صرف المستحقات في وقتها.

هذه التفسيرات لم تُقنع المتظاهرين الذين يرون أن تأخر الرواتب بات سلوكاً متكرراً في التعامل مع ملف العقود، ما يزيد من معاناتهم المعيشية ويهدد استقرار أسرهم.

"هاليبرتون" تنهي خدمات 117 موظفاً

وفي البصرة، تظاهر العشرات من العاملين في موقع شركة "هاليبرتون" النفطية في البرجسية، احتجاجاً على قرار مفاجئ بإنهاء عقود عمل 117 موظفاً عراقياً، بعضهم قضى أكثر من 15 عاماً في الخدمة.

المحتجون وصفوا القرار بالمجحف، مشيرين إلى أنه جاء "دون سابق إنذار"، فيما تواصل الشركة تشغيل عمالة أجنبية ومصرية بأجور يومية في مواقعها بالزبير والرميلة وحقل الفيحاء. وأكدوا أن ذلك يمثل محاولة للتهرب من الالتزامات الضريبية على حساب العمال العراقيين.

وطالب المتظاهرون حكومة البصرة ومكاتب التشغيل بالتدخل العاجل، محذرين من أن استمرار الشركة في هذه الإجراءات يهدد مئات العائلات التي تعتمد على هذه الوظائف كمصدر رزق وحيد.

وقد سلطت هذه الأزمة الضوء مجدداً على هشاشة عقود العمل في القطاع النفطي واعتماد الشركات الأجنبية على العمالة الوافدة بدلاً من الكفاءات المحلية.

اضراب في جامعة كرميان

وفي قضاء خانقين بمحافظة ديالى، اختار خريجو جامعة كرميان أسلوباً أكثر تصعيداً، حيث دخلوا في إضراب مفتوح عن الطعام داخل خيمة اعتصام نصبوها منذ أربعة أيام، احتجاجاً على عدم اعتراف وزارة التعليم العالي بشهاداتهم الجامعية.

ممثل الخريجين، راژان باجلان، قال إنهم استنفدوا جميع السبل القانونية والإدارية، إلا أن مطالبهم ما تزال تواجه بالتجاهل، محمّلاً الجهات المسؤولة تبعات أي تدهور قد يلحق بالمعتصمين نتيجة الإضراب.

وأضاف: "حقنا في الاعتراف بشهاداتنا مشروع ولن نتراجع عنه".

وتهدد هذه الأزمة مستقبل مئات الخريجين الذين يواجهون خطر ضياع سنوات دراستهم الجامعية من دون جدوى، وهو ما يعكس خللاً عميقاً في إدارة ملف التعليم العالي.

السليمانية: احتجاجات متكررة على تأخر الرواتب

أما في السليمانية، فقد واصل المعلمون والموظفون احتجاجاتهم أمام مديرية التربية، رفضاً لتأخر صرف رواتبهم لنحو ثلاثة أشهر. وجاءت التظاهرة استجابة لدعوة "لجنة التنسيق الموحدة للمعلمين والموظفين"، التي أكدت أن الأوضاع المعيشية لم تعد تُحتمل، داعيةً القوى السياسية إلى دعم مطالب المحتجين.

ويعاني موظفو إقليم كردستان منذ سنوات من أزمة مزمنة في الرواتب، حيث يتكرر تأخر صرفها وتراكم المستحقات، ما يفاقم الضغوط الاقتصادية على الأسر الكردية ويؤدي إلى موجات احتجاج متكررة. ويعكس الوضع القائم عمق الأزمة بين حكومة الإقليم والحكومة الاتحادية بشأن توزيع الإيرادات النفطية وحصة الإقليم من الموازنة الاتحادية.

هذه الملفات المتراكمة تكشف عن أزمة حكم وإدارة مزمنة، حيث يعجز النظام الإداري عن ضمان أبسط الحقوق: الراتب، الوظيفة، والشهادة الجامعية. كما أن تعدد الجهات المسؤولة بين الحكومة الاتحادية والإقليم والمحافظات يزيد من تعقيد الحلول، ما يجعل الشارع العراقي أكثر ميلاً للاحتجاج والتصعيد.

ويرى مراقبون أن استمرار هذا النهج قد يؤدي إلى حراك اجتماعي واسع، شبيه بما شهدته البلاد في احتجاجات تشرين 2019، خاصة في حال بقاء الأزمات المعيشية من دون حلول ملموسة.