في قلب محافظة النجف الأشرف، وعلى بُعد كيلومترات قليلة من مطار النجف الدولي، تقع ناحية البراكية، التي وُصفت على لسان سكانها بـ"المنطقة المنكوبة"، لما تعانيه من غياب شبه تام للخدمات الأساسية. ورغم قربها الجغرافي من أحد أهم المعالم الحيوية في المحافظة، إلا أن حالها يعكس تهميشا واضحا وإهمالا مستمرا من الجهات المسؤولة.
وعود انتخابية لم تُنفذ!
يقول محمود السعيدي، مراقب محلي من النجف، ان "ناحية البراكية هي إحدى النواحي الحديثة التابعة لمدينة النجف الأشرف، لكنها تفتقر إلى التخطيط والتصميم العمراني المناسب. الوضع هناك يوحي وكأن المنطقة خرجت توا من كارثة؛ لا وجود للمجاري، ولا أعمدة كهرباء، ولا حتى شبكات مياه صالحة للاستخدام البشري".
ويضيف السعيدي لـ "طريق الشعب"، أن "المنطقة كانت بالأصل أراضي زراعية، ثم جرى تحويلها إلى أراضٍ سكنية (طابو صرف) دون أي تخطيط مسبق أو بنية تحتية، ما جعلها أشبه بالعشوائيات، حيث بنى الأهالي منازلهم بجهود شخصية، واشتروا أعمدة كهرباء خشبية على نفقتهم الخاصة، ومدوا شبكات مياه بدائية لمسافات طويلة دون أي دعم حكومي.
ويذكر ان "المنطقة شهدت تظاهرات واحتجاجات متكررة خلال السنوات الماضية، طالب فيها الأهالي بتوفير الخدمات الأساسية، مثل التبليط، والمجاري، والكهرباء، والماء. ومع كل دورة انتخابية، تنهال الوعود من المرشحين بتحسين أوضاع الناحية وتوفير الخدمات، إلا أن الواقع لم يشهد أي تغيير يُذكر.
ويشر الى انه "في انتخابات 2021 لمجلس النواب، علقنا آمالاً كبيرة على التغيير، لكن لم يُنفذ شيء. وحتى بعد تشكيل مجالس المحافظات، كثرت الوعود مجددا دون أي تطبيق فعلي على الأرض".
ويعتقد انه "نتيجة لتراكم الإحباط، بات الكثير من أهالي المنطقة يرفضون المشاركة في الانتخابات المقبلة، تعبيرًا عن سخطهم من تكرار الوعود الكاذبة، وفقدان الثقة بالعملية السياسية"، مؤكدا بالقول: "اليوم أغلب سكان البراكية قرروا مقاطعة الانتخابات، لأن من يَعِد لا يفي، ومن يُنتخب لا يلتفت إلى معاناة الناس. نحن ندفع من جيوبنا لتوفير أبسط مقومات الحياة، والحكومة غائبة تمامًا عن المشهد"، يضيف السعيدي بغضب.
وختم بالقول: "نحن لا نطلب المستحيل، فقط أن نُعامل كمواطنين حقيقيين داخل هذا البلد".
أحلام متواضعة
فيما قال أحد سكان ناحية البراكية، عبد الأمير النجفي، ان منطقته "رغم بساطة سكانها وأحلامهم المتواضعة، ما زالت تعاني من تهميش مزمن"، مشيرا إلى أن الحد الأدنى من الخدمات الأساسية كالماء الصالح للشرب، الكهرباء المستقرة، والطرق القابلة للاستخدام، "لا تزال حلما بعيد المنال"، وفقا للنجفي.
وأضاف لـ "طريق الشعب"، "اننا لا نطلب مستشفيات متطورة أو مشاريع ضخمة، نريد فقط أن نعيش بكرامة. أن نعامل كمواطنين لنا نفس الحقوق كبقية المناطق. لكن للأسف، ناحية البراكية بقيت لسنوات طويلة خارج خارطة التنمية والخدمات، وكأنها غير مرئية للحكومات المتعاقبة، سواء المحلية أو المركزية."
وأشار إلى أن سكان المنطقة استبشروا خيرا حين تم الإعلان عن مباشرة الجهد الخدمي والهندسي التابع لرئاسة الوزراء بأعمال خدمية في الناحية، ضمن حملة رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني لتقديم الخدمات للمناطق المهمشة، خلال العام الماضي.
وأوضح أن العمل شمل ردم مبزل بطول 500 متر، ورفع نحو 1200 متر مكعب من الأنقاض وردم ثلاثة مستنقعات بمساحة كبيرة، إضافة إلى فتح وتسوية ثلاثة شوارع فرعية بطول 400 متر وعرض 8 أمتار".
لكنه تساءل بمرارة: "أين النتائج؟ كل هذه الأرقام لا نراها على أرض الواقع. الشوارع ما زالت محفرة، المستنقعات عادت بعد أيام من الردم، والماء لا يصل إلا في فترات متقطعة إن وصل أصلا"، مؤكدا ان "الخدمات لم تتحسن، وما زلنا ندور في دائرة الإهمال".
وأكد أن الأعمال التي نُفذت كانت محدودة ومؤقتة، أشبه بطلاء خارجي على جدار متصدع، مضيفا أن "الحلول الجذرية لا تأتي برفع الأنقاض يوما أو تسوية شارع واحد، بل بوضع خطة دائمة وشاملة للبنية التحتية، تبدأ من تصريف المياه وتنظيم الكهرباء، وتنتهي بتعبيد الشوارع وتوفير المدارس والمراكز الصحية".
وخلص الى القول ان "الناس هنا يشعرون بأنهم مواطنو الدرجة الثانية، محرومون من أبسط الحقوق".
الميزانية تؤخر التنفيذ
من جانبه، قال عضو مجلس محافظة النجف الأشرف، فاضل جابر، أن "الجهود مستمرة من قبل لجان المجلس ودوائر البلديات لمتابعة ملف تقديم الخدمات إلى الأقضية والنواحي، وبشكل خاص ناحية البراكية التي تم استحداثها حديثاً، وتواجه تحديات كبيرة في ظل الزيادة السكانية والضغط على البنى التحتية".
وأوضح جابر لـ "طريق الشعب"، أن "ناحية البراكية لا تزال قيد الاستحداث، وهي موزعة جغرافياً بين قضاء الكوفة وقضاء النجف"، مشيراً إلى أن اجتماعات متعددة عقدت في مجلس المحافظة، بحضور ممثلين عن دوائر البلديات والبيئة والآثار، إضافة إلى قائمقامية الكوفة والنجف، بهدف تسريع الإجراءات الخاصة باستكمال متطلبات الاعتراف الرسمي بالناحية".
وقال جاير إن الناحية ضُمِنت ايضا ضمن القرار 320، لافتاً إلى أن المحافظ كلف شخصية لإدارة شؤون الناحية لحين اكتمال الإجراءات الإدارية والرسمية.
وأضاف أن دوائر البلديات في كل من الكوفة والنجف بادرت بفتح أقسام خدمية لتقديم الخدمات الأساسية لسكان البراكية، مؤكداً أن الناحية تشهد اكتظاظاً سكانياً كبيراً، ما يتطلب جهوداً استثنائية لتأهيل البنى التحتية وتوفير الخدمات.
وبين جابر، أن استكمال الخدمات مرهون بتحويل البراكية إلى ناحية رسمية ويعتمد على إنجاز الجوانب الإدارية وتوفير المخصصات المالية، مشدداً على أن غياب الميزانية والعجز المالي أثرا بشكل واضح على واقع الخدمات في عموم محافظة النجف.
واختتم تصريحه بالدعوة إلى إطلاق موازنة 2025 في أقرب وقت، مشيراً إلى أن النجف تعد من المدن الجاذبة للسكان، وتستقبل ملايين الزوار سنوياً، ما يشكل ضغطاً كبيراً على المؤسسات الخدمية، ويستلزم دعماً مباشراً من الحكومة المركزية لتلبية احتياجات المحافظة وسكانها.