اخر الاخبار

تشهد المؤسسات الطبية في العراق تصاعدا لظواهر خطرة تهدد أخلاقيات المهنة وتضرب المنظومة الصحية، في ظل الابتزاز والمساومة المالية التي يتعرض لها المرضى داخل بعض المجمعات الطبية الخاصة.

ويقول مختصون أن هذا الانحراف المتزايد يجد جذوره في ضعف تطبيق القانون وتراجع الرقابة الحكومية.

تراجع هيبة القانون

وهنا، يشير طبيب الجراحة زهير الفتلاوي إلى أن تراجع هيبة القانون في العراق أدى إلى تفشي العديد من الظواهر السلبية داخل المجتمع، ولا سيما في القطاع الصحي. ويقول الفتلاوي لـ "طريق الشعب"، أن "كل عاقل يدرك أنه حين يضعف القانون، تزداد الانفلاتات وتتسع رقعة السلوكيات السلبية، وهذا ما نشهده اليوم في العراق".

ويضيف أن غياب الردع القانوني ساهم في شيوع حالات تجاوزات طبية، مشيرا إلى أنه "في الدول المتقدمة، يكون القانون هو الرادع الأساسي والوحيد، وهو ما يجب أن نعمل على ترسيخه هنا أيضا".

ويؤكد الفتلاوي أن مهنة الطب، وعلى الرغم من طابعها الإنساني، ليست بمنأى عن هذه التجاوزات، لافتا إلى أن بعض الأطباء باتوا يستغلون حاجة المرضى، خاصة في مجال الجراحة: "يجب أن يُسأل الطبيب هل مراجعه المريض يحتاج فعلا إلى العملية؟ وهل الدواء الذي يُصرف له ضروري بالفعل أم هناك دوافع أخرى، ربما تتعلق بعروض شركات الأدوية؟".

ويجد أن هذه الممارسات تمثل نوعا من الابتزاز، وتعود في جذورها إلى ضعف الرقابة وغياب تطبيق القوانين الرادعة، مؤكدا أن الحل يبدأ من التثقيف.

ويشدد الفتلاوي على ضرورة توعية المواطنين، وكذلك الأطباء، بأن هناك قوانين نافذة تطال الجميع دون استثناء، مضيفا ان "المشكلة الأساسية تكمن في غياب ثقافة القانون، وإن غاب الرادع، يصبح الانحراف أمرا سهلا".

واختتم بالقول ان "الرقابة الصحية في العراق تواجه اليوم معركة متعددة الجبهات، تبدأ من ضبط المنافذ الحدودية، وتمر بالسيطرة على التوزيع الداخلي، وتنتهي عند مواجهة خطر التجارة الرقمية التي باتت تتجاوز الحدود التقليدية للأسواق، ولا بد من تحرك تشريعي وتنفيذي عاجل للحد من آثارها الكارثية".

بيع الادوية بشكل عشوائي!

فيما تحذر الدكتورة أيناس حيدر، التي تعمل في أحد المراكز الصحية الحكومية، من تفاقم ظاهرة بيع الأدوية عبر صفحات التواصل الاجتماعي في العراق، مؤكدة أن ما يجري حالياً يشكل تهديداً مباشراً على الصحة العامة، وسط فجوة تنظيمية ورقابية واسعة.

وتقول حيدر في حديث لـ "طريق الشعب"، إن "مواقع التواصل الاجتماعي تحولت في الأشهر الأخيرة إلى سوق سوداء للأدوية، حيث تُباع عقاقير مجهولة المصدر، بعضها مهرب والآخر غير خاضع للفحوصات الدوائية المعتمدة"، مبينة أن "هذه الأدوية تُعرض من دون رقابة طبية أو وصفات رسمية، ويتم الترويج لها بأساليب تسويقية مضللة تستهدف فئات واسعة من المواطنين".

وتضيف أن "العراق ينفق المليارات سنوياً على استيراد الدواء، ومع ذلك، لا تزال نسبة كبيرة من الأدوية المتوفرة متركزة في الأسواق المحلية لا سيما في الصيدليات غير المجازة، وغالباً ما تكون بلا وثائق تثبت صلاحيتها أو جودتها".

وتواصل الطبيبة حديثها، أن "المشكلة لا تقتصر على الدواء المهرب فقط، بل تمتد إلى غياب تشريعات رادعة تتعامل مع الجرائم الرقمية، خصوصاً ما يتعلق ببيع المواد الطبية عبر الإنترنت. فلا يزال العراق يفتقر إلى قانون فاعل للجرائم الإلكترونية، ما يصعّب ملاحقة المتورطين في هذه التجارة الرقمية الخطرة".

وتدعو حيدر المواطنين إلى عدم الانجرار وراء ما وصفته بـ"الإعلانات الطبية الوهمية"، التي تقدم أدوية أو مكملات غذائية ومواد تجميلية مجهولة، وتدعي فعاليتها من دون أي إثبات علمي أو اعتماد صحي، مؤكدة أن "هذه الممارسات لا تهدد فقط صحة الفرد، بل تؤسس لفوضى دوائية قد تعصف بالمنظومة الصحية في البلاد".

تحول خطير

اما الدكتور أحمد العليوي، فيقول إن مهنة الطب في العراق بدأت تشهد تحولا خطرا في ظل المجمعات الطبية الخاصة التي تسعى للربح على حساب المريض.

يقول العليوي لـ "طريق الشعب"، أن "بعض المرضى يفاجؤون بطلبات طبية لا تنسجم مع حالتهم الصحية، مثل إجراء تحاليل أو فحوصات غير ضرورية، أو وصف أدوية مرتفعة الثمن من دون مبرر طبي واضح، مشيرًا إلى أن هذه الممارسات تهدف إلى تحقيق مكاسب مالية من دون مراعاة أخلاقيات المهنة.

ويبين أن الطبيب يُجبر في كثير من الأحيان على اللجوء إلى العمل في القطاع الخاص بسبب تدني الرواتب الحكومية، موضحًا أنه حتى بعد خدمة عشر سنوات وحصوله على شهادة البورد، لا يتقاضى أكثر من مليون ونصف المليون دينار شهريًا، وهو مبلغ لا يتناسب مع حجم العمل والخطورة والمسؤولية.

ويشير إلى أن المجمعات الطبية الخاصة أصبحت بيئة جاذبة للأطباء، ليس فقط بسبب الرواتب الأفضل، بل أيضًا لأنها توفّر دعمًا إعلاميًا وتنظيمًا إداريًا يساعد الطبيب على الوصول إلى عدد أكبر من المرضى. ومع ذلك، قال إن غياب الرقابة عن هذه المجمعات يساعد في ظهور سلوكيات غير مهنية، أبرزها تحويل الطب إلى سوق قائم على العروض، وفرض علاجات باهظة، وربط الخدمة الطبية بالقدرة المالية للمريض.

ويتحدث العليوي عن الارتفاع الكبير في أسعار العلاجات، والناتج عن سلسلة طويلة من الوسطاء تشمل الشركات المستوردة، ومكاتب التوزيع، والمذاخر، والمندوبين، وصولًا إلى الصيدليات، ما يؤدي إلى تضاعف سعر الدواء.

ويعتقد أن محاولات وزارة الصحة لتقنين الأسعار لم تحقق أثرًا ملموسا في ظل غياب الرقابة الفعالة على السوق.

ويختتم بالقول ان الكثير من المرضى يفضلون القطاع الخاص بسبب توفر الأجهزة الحديثة والتنظيم الأفضل. ويدعو الطبيب إلى تفعيل الرقابة الأخلاقية والقانونية على المؤسسات الصحية الخاصة، وفرض عقوبات حقيقية على من يثبت تورطه بابتزاز المرضى أو استغلال حاجتهم للعلاج لتحقيق مكاسب مالية.