شهدت مدن عراقية عدة خلال الأيام الماضية موجة احتجاجات شعبية غاضبة، عبّر خلالها المواطنون عن استيائهم من تردي الواقع الخدمي، وتراجع الحقوق الأساسية كالمياه وفرص العمل، في مشهد يعكس تزايد الغليان المجتمعي نتيجة السياسات الحكومية، وتنامي الشعور بالإقصاء والتهميش.
البصرة.. الماء يُقابل بالاعتقال
وفي ساحة عبد الكريم قاسم وسط مدينة البصرة، نظم ناشطون مدنيون وقفة احتجاجية للمطالبة بإطلاق سراح الناشط علاء البخاتري، الذي اعتُقل عقب دعوته إلى توفير المياه لسكان منطقته.
ورفع المحتجون لافتات تندد بما وصفوه بـ"محاولات تكميم الأفواه"، مشددين على أن "المطالبة بالماء حق، لا تهمة".
رئيس مركز العراق لحقوق الإنسان علي العبادي، قال: "من هذه الساحة انطلقت احتجاجات 2018 بسبب العطش، واليوم نعود في 2025 لنذكّر الحكومة أن الأزمة مستمرة، وأن صوت المواطن يجب أن يُسمع لا أن يُقمع".
أما الناشط طه المطوري، فقد شبّه ما يجري بـ"استفزاز صارخ"، قائلاً: "نعيش في أيام محرم، ومن يطالب اليوم بالماء يُعامل كأهل الحسين"، في إشارة إلى الظلم التاريخي.
المواطن رحيم عبد تساءل عن دور القضاء قائلاً: "هل يُعقل أن يُعتقل ناشط في مدينة تضم 5 ملايين نسمة لمجرد مطالبته بالماء؟ نطالب بإطلاق سراح البخاتري فوراً"، محذراً من خطورة استمرار الاعتقالات على السلم المجتمعي.
المثنى ترفض التفريط بالسيادة
وفي محافظة المثنى، نظم العشرات وقفة شعبية تحت شعار "خور عبد الله عراقي"، رفضاً لأي اتفاقية تمس السيادة العراقية على هذا المنفذ البحري الحيوي. ورفع المشاركون شعارات تطالب مجلس النواب بعدم التصديق على أي اتفاق يُفهم منه التنازل عن حقوق العراق.
وأكدت الكلمات التي أُلقيت خلال الوقفة على ضرورة توحيد الموقف الرسمي والشعبي في مواجهة أي تهديد للسيادة الوطنية، داعين القوى السياسية إلى تغليب المصلحة العامة ومنع تمرير اتفاقيات مجحفة تمس الأمن الاقتصادي والسياسي للبلاد.
الكوت تواجه سياسة العطش
منطقة البتّار شمالي الكوت شهدت وقفة احتجاجية لمزارعين غاضبين، نددوا بقرارات وزارة الموارد المائية القاضية برفع المضخات الزراعية وتقليص أوقات المراشنة إلى يوم واحد أسبوعياً، ما يهدد بتدمير أراضيهم الزراعية.
المزارع أبو محمد الشمري فقد وصف القرارات بأنها كارثية، قائلاً: "نحن مزارعون لا نملك سوى الأرض والماء، وإذا ضاعت مياهنا ضاع كل شيء".
أما المزارع علي الكعبي، الذي يمتلك 1750 دونماً، فأشار إلى أن "القرار سيقضي على مصدر رزق عشرات العائلات"، مؤكداً أن سكان المنطقة باتوا يعانون حتى في الحصول على مياه الشرب، محذراً من "هجرة جماعية" إذا استمرت هذه السياسات.
ديالى تحتج على سوء الخدمات
وفي محافظة ديالى، خرج العشرات من أهالي مناطق غرب بعقوبة في وقفة احتجاجية للمطالبة بتحسين الخدمات، ورفعوا ثلاث مطالب رئيسية وهي تحسين البنى التحتية، وفتح تحقيق عاجل بالمشاريع المتلكئة، وإرسال وفد حكومي رفيع المستوى لتفقد الأوضاع ميدانياً.
المتظاهر أحمد النعيمي قال إن "هذه المناطق تضم الكثافة السكانية الأعلى، لكنها تعاني من إهمال مستمر منذ أكثر من عشرين عاماً"، مطالباً بمحاسبة المسؤولين عن الفساد وتعثر المشاريع الخدمية، لا سيما في قطاعات الطرق والكهرباء والصرف الصحي.
ميسان تصرخ من أجل العمل
وقرب مقر شركة بتروجاينا في محافظة ميسان، نظم العشرات من خريجي قضاء الكحلاء وقفة احتجاجية للمطالبة بتعيينهم ضمن عقود المنافع الاجتماعية، التي تُلزم الشركات العاملة في المناطق النفطية بتوفير فرص عمل للسكان المحليين.
المحتجون، ومعظمهم من مناطق الحلفاية والمعيل، أكدوا أنهم يحملون شهادات دراسية تؤهلهم للعمل، وأن عقود المنافع الاجتماعية تمنحهم الأولوية في التعيين.
وطالبوا الحكومة المحلية بالضغط على الشركة لتفعيل التزاماتها، محذرين من استمرار التهميش وغياب العدالة في توزيع فرص العمل.
وتُظهر هذه الاحتجاجات المتزامنة، من الجنوب إلى الوسط، حالة من القلق الشعبي المتزايد إزاء استمرار الأزمات الخدمية، وتراجع الحريات، وتفاقم التفاوت في توزيع الثروات والفرص.