اخر الاخبار

شهدت محافظات عدّة خلال الأيام الماضية موجة من الاحتجاجات المتزامنة، عبّرت فيها شرائح اجتماعية مختلفة عن استيائها من التهميش والتأخير في تنفيذ استحقاقاتها القانونية والمعيشية، وسط دعوات إلى تدخل عاجل من قبل الحكومة المركزية لإنصافهم.

البصرة وأزماتها المتراكمة

ففي محافظة البصرة، تصاعدت الاحتجاجات لتشمل المحاضرين المجانيين، وسائقي الشاحنات، وسكان منطقة القبلة، في تعبير واضح عن تنوّع الأزمات وعمقها.

ففي ساحة تربية البصرة، خرج العشرات من المحاضرين والإداريين المشمولين بملف الـ19 ألف درجة وظيفية، احتجاجاً على ما وصفوه بـ"الإهمال والتسويف" في حسم قضيتهم التي مضى عليها سنوات.

وقال ممثل المحتجين عبدالخالق الشاوي، إن "المحاضرين عملوا بالمجان لأكثر من أربع سنوات وكانوا دعماً للعملية التربوية، ورغم استكمال تربية البصرة جزءاً كبيراً من إجراءات التعاقد منذ عام 2023، إلا أن الأوامر الإدارية لم تصدر حتى الآن".

وحمّل المحتجون مديرية التربية كامل المسؤولية، فيما دعوا رئيس الوزراء ومحافظ البصرة إلى التدخل العاجل لإنهاء معاناتهم.

أما في ناحية أم قصر، فقد نظّم العشرات من سائقي الشاحنات تظاهرة قرب المدخل الرئيس للميناء، احتجاجاً على قرار "منع دخول شاحناتهم التي لا تتجاوز حمولتها 15 طناً، فيما يُسمح بدخول شاحنات ثقيلة تابعة للقيادة البحرية". ووصف السائقون القرار بـ"التمييزي وغير المبرر"، وأكدوا أنه ألحق أضراراً كبيرة بمصدر رزقهم، وأعلنوا استعدادهم للتصعيد باستخدام كافة الوسائل القانونية.

وفي منطقة القبلة وسط البصرة، نظّم الأهالي وقفة احتجاجية، للمطالبة بمعالجة أزمة تلوث وشح المياه وارتفاع نسب الملوحة.

وأكد المحتجون، أن مياه الإسالة الواصلة إلى منازلهم "غير صالحة للاستخدام البشري وتشكل تهديداً مباشراً على الصحة العامة"، واقترحوا على الحكومة اعتماد مبدأ "النفط مقابل الماء" كحل لإنهاء معاناتهم وضمان حقوقهم الأساسية.

ردم بحيرات الأسماك

وفي ميسان، أقدم العشرات من المواطنين على قطع الطريق الرابط بين بغداد والعمارة قرب منطقة الكميت، احتجاجاً على قيام الجهات المختصة بردم بحيرات الأسماك التي تعد مصدر رزقهم الوحيد. وقد أشعل المتظاهرون النيران في إطارات العجلات، ما أدى إلى شلل الحركة المرورية في الطريق الحيوي، مؤكدين أنهم سيواصلون احتجاجهم حتى يتم وقف عمليات الردم. وأشار المتظاهرون إلى أنهم يعتمدون بشكل أساسي على تربية الأسماك في الأحواض، خصوصاً بعد منعهم من الزراعة الصيفية بسبب شح المياه، وأن عمليات الردم تتم دون تعويض أو توفير بدائل، ما يهدد أمنهم المعيشي.

وطالبوا بتدخل حكومي عاجل ووقف ما وصفوه بسياسات "الإقصاء المعيشي" التي تستهدف الفئات الأكثر ضعفاً.

اعتصام مفتوح للفلاحين

وفي محافظة المثنى، نظّم العشرات من المزارعين وقفة احتجاجية أمام سايلو السماوة، احتجاجاً على تأخر صرف مستحقاتهم المالية الخاصة بتسويق محصول الحنطة، وأغلقوا أبواب السايلو كخطوة تصعيدية وأعلنوا دخولهم في اعتصام مفتوح حتى تحقيق مطالبهم.

وقال المزارع قيس عبد الكاظم: "نطالب بصرف مستحقات الفلاحين، لكننا فوجئنا بأن الحكومة قررت دفع 20% فقط من قيمة المستحقات، وهذا مجحف بحقنا".

فيما أوضح المزارع ناجي فليح أن معظم الفلاحين حصلوا على البذور والأسمدة بالدين، وكان موعد التسديد في الأول من حزيران، لكن الدولة لم تلتزم سوى بدفع ربع المبلغ، مما أوقعهم في أزمة مالية خانقة، خصوصاً أن الزراعة تعتمد على الآبار، وتصل كلفة الدونم الواحد إلى 600 مليون دينار.

وقال المزارع ضياء مرزوق، أن نسبة الـ20% قد تكون مناسبة لبعض المحافظات بسبب صغر حجم العقود، "لكن أغلب الفلاحين في المثنى يملكون أراضي تزيد عن 50 دونماً، ولا تكفي المبالغ المدفوعة لتغطية التكاليف".

وانتقد غياب الاستجابة الرسمية، قائلاً: "لم يأتِ إلينا أي مسؤول أو نائب، فقط قوات الشغب موجودة".

جرحى الجيش يطالبون بقطع أرض

وفي كركوك، تجمّع العشرات من جرحى الجيش أمام مبنى المحافظة، مطالبين بتخصيص قطع أرض سكنية ضمن استحقاقاتهم القانونية، أسوةً بما جرى في محافظات أخرى.

وقال الجريح فلاح محمود: "مطالبنا مشروعة، فنحن ضحينا من أجل الوطن، ونطالب بحق بسيط كقطعة أرض نؤمّن بها مستقبل عائلاتنا".

وأكد المتظاهرون، أنهم ينتظرون تنفيذ الوعود منذ سنوات دون استجابة، داعين إلى وضع آلية شفافة تضمن شمول جميع الجرحى دون تمييز، وطالبوا الحكومة المحلية ومجلس الوزراء بالتدخل العاجل لإنهاء هذا الملف المتعثر.

فاحصو وزارة الدفاع يطالبون بالتعيين

وفي بغداد، تظاهر العشرات من الفاحصين المدنيين في وزارة الدفاع أمام مبنى مجلس الخدمة الاتحادي، للمطالبة بتسريع إجراءات تعيينهم، بعد حصولهم على موافقة مجلس الوزراء دون تنفيذ فعلي حتى الآن.

ورفع المتظاهرون شعارات تطالب بالإسراع في استكمال الإجراءات الإدارية والقانونية لإصدار أوامر التعيين، مؤكدين أنهم استوفوا جميع الشروط وتم إدراج أسمائهم ضمن القوائم المعتمدة.

وأشاروا إلى أن تظاهرتهم سلمية وتهدف إلى المطالبة بحقوق قانونية أقرتها الدولة ولم تُنفذ.

وتُظهر هذه الاحتجاجات المتعددة والمتزامنة اتساع رقعة المطالبات في العراق، وتراكم الأزمات الخدمية والاقتصادية، ما يضع السلطات المحلية والمركزية أمام مسؤولية عاجلة للمعالجة وتقديم حلول واقعية تُعيد الثقة بين المواطن ومؤسسات الدولة.