شهدت محافظات عديدة، خلال اليومين الماضيين، موجة تظاهرات واسعة ومتنوعة، عكست حجم الغضب الشعبي المتزايد إزاء السياسات الحكومية المتعلقة بتوفير فرص العمل والخدمات.
وشارك في هذه الاحتجاجات مئات من المواطنين، من خريجي الجامعات والمهندسين والعاملين بنظام الأجور اليومية وذوي الشهداء والأساتذة الجامعيين، مطالبين بالاستجابة لمطالبهم التي طال انتظار تحقيقها.
البصرة.. احتجاجات تصطدم بالعنف
وفي محافظة البصرة، خرج المئات من خريجي الأقسام الهندسية والتخصصات النفطية والجيولوجيين في تظاهرات حاشدة أمام مبنى شركة نفط البصرة، مطالبين بتوفير فرص عمل في الشركات النفطية العاملة ضمن العقود الوزارية. ورغم الطابع السلمي الذي بدأ به التحرك، فقد شهدت التظاهرة احتكاكات وتوترات بين المتظاهرين والقوات الأمنية، أسفرت عن إصابات وتبادل للاتهامات بين الجانبين.
نقابة المهندسين – فرع البصرة أصدرت بيانًا دانت فيه "الاعتداءات غير المبررة" التي تعرض لها المتظاهرون، مشيرة إلى وجود تجاوزات لفظية وجسدية بحق المهندسين والمهندسات، ووصفت الحادث بأنه "انتهاك صارخ لحقوق الإنسان"، مطالبة بفتح تحقيق عاجل ومحاسبة المسؤولين والإفراج عن أي محتجزين على خلفية التظاهرة.
من جهته، قال حسن الشاوي، ممثل المتظاهرين، إن "الاحتجاجات دخلت شهرها الثالث، وهي تطالب بحقوق مشروعة"، متهمًا القوات الأمنية باستخدام القوة رغم سلمية التظاهرة، ما أسفر عن إصابة أحد المتظاهرين ونقله إلى المستشفى لتلقي العلاج.
ولم تقتصر التظاهرات في البصرة على المهندسين، إذ نظم موظفو مطار البصرة الدولي وقفة احتجاجية رافضة لقرار فصل المطارات عن الشركة العامة للملاحة الجوية وخصخصتها.
وأكد المحتجون أن المطارات رابحة ولا تحتاج إلى استثمار خارجي، مطالبين وزارة النقل والبرلمان بالتدخل العاجل، خاصة بعد نقل بعض الموظفين دون تخصيص مالي وتأخر صرف رواتب شهر أيار.
وفي تحرك آخر، تظاهر خريجو كلية العلوم أمام مقر شركة نفط البصرة (موقع المكينة)، مطالبين بالكشف عن مصير 30 اسمًا قالوا إنها "سقطت سهوًا" من قوائم التعيين رغم وجود موافقة رسمية سابقة من رئيس الوزراء. وأعرب المتظاهرون عن استيائهم من "الإهمال والتهميش" المستمر منذ أكثر من أربع سنوات دون أي حل يلوح في الأفق.
الكوادر التدريسية في كركوك
وفي محافظة كركوك، نظم العشرات من الكوادر التدريسية في جامعة كركوك تظاهرة أمام مبنى ديوان المحافظة، مطالبين بتوزيع قطع أراضٍ سكنية أسوة بزملائهم في الجامعات العراقية الأخرى. ورفع المحتجون لافتات تطالب بتحقيق العدالة، مؤكدين أنهم لم يُشملوا بأي من الوجبات السابقة رغم سنوات خدمتهم الأكاديمية.
وقال التدريسي عباس الجبوري، إن "ما نطالب به هو حق مشروع، ونلاحظ تمييزًا واضحًا بين تدريسيي المحافظات"، مشيرًا إلى أن زملاءهم في بغداد ونينوى والنجف حصلوا على أراضٍ سكنية منذ سنوات، بينما لا يزال تدريسيو كركوك ينتظرون دون جدوى.
وأوضح الجبوري أن الوجبة الأولى من الأراضي التي وُزعت شملت أكثر من 750 تدريسياً، لكن الكثير من القطع لم تُسجل بأسماء مستحقيها بسبب تعقيدات إدارية وضوابط معقدة، ما فاقم الإحباط في صفوفهم. ودعا الحكومة المحلية ووزارة التعليم العالي إلى "إعادة النظر في آليات التوزيع وتسريع إطلاق وجبات جديدة تشمل جميع المستحقين".
ذوو الشهداء والجرحى
وفي بعقوبة، مركز محافظة ديالى، أقدم العشرات من المواطنين على إغلاق بوابة مبنى مجلس المحافظة، في تظاهرة احتجاجية للمطالبة بتنفيذ استحقاقات خدمية، وعلى رأسها توزيع قطع الأراضي السكنية المتأخرة منذ سنوات.
أحمد إبراهيم، عضو تنسيقية التظاهرة، قال إن "العشرات من ذوي الشهداء والجرحى والفئات المستحقة الأخرى خرجوا في تظاهرة سلمية أمام مبنى المجلس، وأغلقوا البوابة احتجاجًا على استمرار تأخير توزيع الأراضي، رغم الوعود المتكررة من المسؤولين".
وأكد أن الملفات مكتملة والالتزامات القانونية مستوفاة منذ سنوات، ومع ذلك لم يحصل المستحقون على أراضيهم، مضيفًا انه "من غير المقبول أن ينتظر ذوو الشهداء والجرحى أكثر من 10 إلى 15 عامًا للحصول على أبسط حقوقهم". وحذر من أن هذه التظاهرة ستكون البداية، وستليها احتجاجات واعتصامات في مدن ديالى الأخرى للضغط على الجهات المعنية.
عمال الأجور اليومية
ونظم العشرات من العاملين بنظام الأجور اليومية في مصفى كربلاء تظاهرة أمام مبنى وزارة النفط وسط بغداد، مطالبين بتحويلهم إلى عقود رسمية وفق قرار مجلس الوزراء رقم 315.
وقال أحد المشاركين إن العديد من العمال اضطروا لتقديم استقالاتهم مؤخرًا بسبب ضعف التخصيصات المالية والمشقة الكبيرة في العمل داخل المصفى، ما أدى إلى تهديد الاستقرار المعيشي لأسرهم.
وطالب المتظاهرون وزارة النفط والحكومة الاتحادية بضرورة النظر الجدي في ملفهم، والعمل على تثبيتهم ضمن الملاك أو تحويلهم إلى عقود تضمن حقوقهم المالية والوظيفية.
احتجاجات للخريجين ومطالب خدمية
في محافظة المثنى، شهدت مدينة السماوة تظاهرة نظمها خريجو قوائم الاحتياط في تربية المثنى، مطالبين بشمولهم بالتعيين ضمن درجات الحذف والاستحداث، واستثمار كامل الحصة المخصصة للمحافظة في التوظيف.
وقال أحد المشاركين، حسين شاهر، إن مطالبهم تتركز حول "تطبيق مبدأ التقاطع الوظيفي على الأسماء الأساسية، واستغلال الفرص المتاحة لتوفير وظائف للخريجين"، مؤكدًا أنهم شكّلوا وفدًا لعرض مطالبهم على الجهات المعنية، واصفًا إياها بـ"المشروعة والعادلة".
وفي قضاء المجد، نظم عشرات المواطنين تظاهرة أمام مبنى القائممقامية مطالبين بتحسين الخدمات الأساسية في القضاء، بما في ذلك الكهرباء والماء والصرف الصحي.
وتعكس هذه التظاهرات التي اجتاحت عدة محافظات حجم الاحتقان الشعبي المتصاعد، وسط بطالة متفاقمة وتراجع في مستوى الخدمات الأساسية، وتفاوت واضح في العدالة التوزيعية.