اخر الاخبار

رغم قرار وزارة الداخلية القاضي بمنع التظاهرات والاحتجاجات في عموم محافظات العراق، يواصل المواطنون تحركاتهم الاحتجاجية في مختلف المدن مطالبين بحقوقهم المشروعة، في مشهد يعكس تصاعد الاستياء الشعبي من الأوضاع المعيشية، وتفاقم الأزمات الخدمية والاجتماعية، وعجز الجهات المسؤولة عن إيجاد حلول حقيقية لها.

السماوة تنتفض ضد انقطاع الكهرباء

العشرات من أهالي مناطق عشائر آل عبس  خرجوا في مدينة السماوة بمحافظة المثنى في تظاهرة احتجاجية، عبّروا خلالها عن سخطهم على الانقطاع غير المبرمج للتيار الكهربائي، والذي يستمر – بحسب إفادات الأهالي – أكثر من سبع ساعات متواصلة يوميًا، في ظل درجات حرارة مرتفعة، أثّرت بشكل مباشر على حياتهم اليومية.

وأكد المتظاهرون، أن هذه الانقطاعات تسببت بخسائر مادية كبيرة نتيجة تلف الأغذية داخل الثلاجات وتعطّل أجهزة التبريد، إضافة إلى تعريض حياة الأطفال وكبار السن للخطر بسبب أمراض محتملة مثل الجفاف والإسهال، بالتزامن مع تردي نوعية المياه وعدم تصفيتها.

وطالب المحتجون الجهات المعنية بوضع جدول زمني واضح للقطع وتحسين مستوى الفولتية الكهربائية، محذرين من أن استمرار هذا الوضع سيدفعهم إلى خطوات احتجاجية تصعيدية.

وشددوا على أن مطالبهم لا تتعدى الحصول على أبسط مقومات الحياة، مثل الكهرباء والماء النقي.

وفي محافظة البصرة، تجددت يوم أمس الصدامات بين القوات الأمنية ومجموعة من خريجي كليات الهندسة والجيولوجيا المتظاهرين أمام محطة حقن الماء التابعة لحقل غرب القرنة النفطي في قضاء الهوير، لليوم الثاني على التوالي، وسط أجواء مشحونة وتوترات متصاعدة.

ووقعت حالات تدافع واشتباك بالأيدي أمام بوابة المحطة، بعد أن حاول المحتجون اقتحام الموقع مطالبين بتوفير فرص عمل ضمن مشروع FCC المرتبط بالحقل، في ظل انتشار أمني مكثف لمحاولة احتواء التوتر.

وقال المتظاهر حسن عبد الأمير، وهو من خريجي كلية الجيولوجيا، إن "الاحتجاجات ستستمر لحين الاستجابة لمطالبنا المشروعة في التعيين. وإذا لم تُلبَّ مطالبنا فسنصعّد الموقف ونلجأ إلى دعم عشائري لإيصال صوتنا إلى المسؤولين".

ويواجه المتظاهرون حالة من اليأس والغضب، في ظل ما وصفوه بـ"حرمان أبناء المناطق القريبة من المشاريع النفطية من فرص التعيين"، مقابل "تعيينات محدودة تُمنح لأشخاص من خارج المحافظة أو عبر علاقات شخصية ومحاصصة حزبية".

موظفو موانئ

وفي مدينة المعقل بالبصرة، نظم العشرات من موظفي الشركة العامة لموانئ العراق تظاهرة جديدة صباح أمس الأربعاء، مطالبين بتفعيل قرار توزيع الأراضي السكنية المخصصة لهم في مدينة السياب، وهو القرار الصادر منذ عام 2021 دون أن يتم تنفيذه حتى الآن، رغم مرور أكثر من ثلاث سنوات عليه.

وأكد الموظفون، أن هذه الوقفة هي الخامسة على التوالي، مشددين على أنهم يعيشون أوضاعًا معيشية صعبة، حيث يضطر أغلبهم إلى السكن في التجاوزات أو دفع الإيجارات الباهظة، رغم سنوات الخدمة الطويلة في واحدة من أكبر المؤسسات الاقتصادية في العراق.

وقال الموظف باسم الكناني: "أنا في الخدمة منذ 24 سنة، ولم أحصل على قطعة أرض واحدة. خرجت اليوم لأطالب بحقي، وأناشد السيد المحافظ بالتدخل السريع لإنهاء هذا الملف المؤجل دون مبرر".

أما غيث عباس، وهو موظف من ذوي الشهداء، فصرّح قائلاً: "أغلب الموظفين يسكنون في بيوت تجاوز، وبعضهم على أبواب التقاعد دون أي أمل بالحصول على سكن لائق. نطالب بإنصافنا وتقدير تضحياتنا".

من جهته، عبّر الموظف حسين جبار عن استيائه من التمييز الحاصل، مشيرًا إلى أن "1700 موظف مشمولون بقرار توزيع أراضي السياب، ولكن لم يُنفذ حتى الآن. في حين تم توزيع أراضٍ في وزارات أخرى. نحن نطالب بحقوقنا، فلماذا هذا الإهمال؟".

ودعا المحتجون المحافظ والجهات التنفيذية إلى التدخل العاجل لتفعيل القرار وإنهاء معاناة المئات من العائلات التي أنهكها الإيجار وفقدان الأمل بالسكن المستقر.

احتجاجات ضد قرار بيع الأراضي بـ"الأسعار السائدة"

في ساحة الصدرين وسط محافظة النجف، شهد يوم الثلاثاء الماضي تظاهرة حاشدة شارك فيها العشرات من سكان الأراضي التابعة للبلدية، احتجاجًا على القرار الحكومي رقم 20 لسنة 2025، الذي يقضي ببيع الأراضي المشغولة من قبل المواطنين بأسعار السوق.

المتظاهرون، ومعظمهم من العائلات محدودة الدخل، عبّروا عن رفضهم لهذا القرار، واعتبروه مجحفًا وغير منصف، مطالبين بتعديله ليشمل آلية بيع تقسيطية تمتد لعشرين عامًا وبأسعار رمزية تتناسب مع واقعهم المعيشي الصعب.

وقالت "أم أحمد"، وهي أم لست بنات، إنها تقطن على منزل تعود أرضه لدائرة البلدية منذ عشرين عامًا بسبب عجزها عن دفع الإيجار، مضيفة: "نعيش على راتب رعاية لا يتجاوز 125 ألف دينار.

هذه الأرض هي مأوانا الوحيد، ولا نملك بديلاً، فكيف يُطلب منا شراءها بسعر السوق؟".

أما أبو أمير العامري فشدد على أن القانون تجاهل آلاف العائلات التي أفنت عمرها في خدمة البلد، قائلاً: "كان الأجدر بالدولة أن تمنح الأراضي للمحتاجين، لا أن تقدمها مجانًا للمستثمرين. نحن أصحاب حق وسنواصل التظاهر حتى يتم إنصافنا".

ووصف المحتج فاضل الشيباني القرار بأنه انتهاك صريح للدستور، مضيفًا ان "الدستور كفل لنا حق السكن.

كيف تطلب الحكومة من محدودي الدخل شراء أراضٍ بأسعار خيالية؟ المطلوب هو التوزيع العادل، أو البيع الرمزي والمقسط".

بدورها، أوضحت بلدية النجف أن القرار جاء استنادًا إلى تعليمات وزارة الإعمار والإسكان والبلديات، وتم تشكيل لجنة منذ 18 شباط 2025 لاستلام طلبات الشاغلين.

كما بيّنت أن البيع مشروط بأن يكون المتجاوز شاغلاً فعليًا قبل تعداد 2024، وألا يكون مالكًا لأي عقار، وأن تكون الأرض مشيدة، فيما أُعفي المواطنون من دفع بدل الإيجار للسنوات السابقة.

الشارع يغلي والحكومة تتجاهل

وتعكس هذه التحركات المتعددة في السماوة والبصرة والنجف وغيرها من المحافظات، حجم الأزمة التي يعيشها المواطن العراقي، في ظل استمرار تدهور الخدمات، وغياب العدالة في التوزيع، واتساع فجوة الثقة بين الشارع والسلطة.

ورغم محاولات منع التظاهر، يتضح أن صوت الشارع لا يزال حاضرًا وبقوة، مدفوعًا بهمومه اليومية، ومطالبًا بحقوقه المسلوبة في الكهرباء والماء والسكن والعمل، وسط مؤشرات على اتساع رقعة الغضب إذا استمر التجاهل الرسمي لهذه المطالب.

عرض مقالات: