في ظل تصاعد الأزمات المعيشية وغياب السياسات التي تراعي أوضاع محدودي الدخل، شهدت محافظتا البصرة والسليمانية موجة جديدة من الاحتجاجات الشعبية، عبّر خلالها المواطنون عن رفضهم قرارات حكومية تتعلق بتمليك وتحويل أراضٍ سكنية وزراعية، يرون أنها تُفاقم معاناتهم وتنتزع مصادر رزقهم.
ففي البصرة، خرج العشرات من أصحاب "القطع المصفرة" مطالبين بتعديل قرار تمليك الأراضي وفق آليات عادلة، فيما تظاهر فلاحو "قمر تلي" في السليمانية ضد تحويل أراضيهم الزراعية إلى سكنية دون تعويض يُذكر، في مشهد يعكس عمق التوتر بين المواطن والسلطات المحلية بشأن إدارة ملف الأراضي.
"القطع المصفرة"
ونظم العشرات من سكان محافظة البصرة، وقفة احتجاجية أمام مجلس المحافظة، رفضًا لقرار مجلس الوزراء رقم 20 لسنة 2025، الخاص بتمليك الأراضي السكنية المشغولة ضمن التصميم الأساس للمدينة، مطالبين بتعديله بما يتناسب مع أوضاعهم المعيشية الصعبة.
ورفع المشاركون، وهم من أصحاب ما يُعرف بـ"القطع المصفرة" التابعة لبلدية البصرة، شعارات تطالب بـ"اعتماد أسعار رمزية (دفترية)" لتمليك الأراضي، وتوزيع الأقساط على مدى 20 عامًا، بالإضافة إلى إلغاء فقرة الاستفادة من القرار، التي تمنع محدودي الدخل من الاستفادة الكاملة من التمليك، مؤكدين على ضرورة إيصال صوتهم إلى رئيس مجلس الوزراء.
وفي هذا السياق، قال المتظاهر حيدر السيلاوي إن "القرار يُعد خطوة شجاعة من الحكومة العراقية، لكنه جاء منقوصًا، إذ أن تسعير الأراضي وفق سعر السوق لا يُناسب الفئات الفقيرة"، داعيًا إلى اعتماد آلية المطور العقاري التي تُقدّر أسعار الأراضي ما بين 15 إلى 20 مليون دينار، مع إمكانية التقسيط.
من جهته، قال المتظاهر أحمد أبو عباس، أن "غالبية الساكنين في هذه الأراضي لا يملكون مصدر دخل ثابت، ومن الظلم أن تُفرض عليهم أسعار تمليك تقارب أسعار السوق، رغم أنهم يسكنونها منذ سنوات طويلة".
وقال أحمد الدراجي، ممثل المحتجين، إن "القرار 20 ينطوي على نوايا حسنة، لكنه يحتاج إلى تعديل، إذ أن الغالبية من سكان المناطق المشمولة به هم من محدودي الدخل، ويستحقون دعمًا حكوميًا لا تحميلهم أعباء مالية لا يستطيعون تحملها".
وشملت المناطق المشمولة بالقرار والتي شهدت احتجاجًا، وفق المتظاهر كاظم الوائلي، مناطق الأمن الداخلي، التنومة، حي بغداد، حي 74، حي 76، والزبير، مشيرًا إلى وجود "تمييز واضح"، مطالبًا بـ"المساواة مع الإيزيديين ومسيحيي الموصل الذين حصلوا على امتيازات أفضل في تمليك الأراضي".
السليمانية
وفي سياق مماثل، شهدت محافظة السليمانية، تظاهرة نظمها سكان قرية قمر تلي احتجاجًا على قرار تحويل أراضيهم الزراعية إلى سكنية، بهدف توزيعها على موظفي حكومة إقليم كردستان، ما أثار مخاوف من فقدان مصدر رزق مئات العائلات التي تعتمد على الزراعة.
وقال كمال صلاح أحمد، المتحدث باسم المتظاهرين، إن "المئات من الفلاحين يمتلكون مئات الدونمات من الأراضي، وقد باشرت بلدية السليمانية إجراءات تحويل جنسها إلى سكني، دون أي تعويض رسمي حتى الآن".
وأشار إلى أن أحد المقترحات المقدمة يتضمن منح 3% فقط من مساحة الأرض للفلاحين كتعويض، وهو ما وصفه بـ"غير العادل ولا يضمن حياة كريمة للأسر المتضررة".
وأضاف أحمد، أن "القرار صدر من البلدية دون الرجوع إلى الجهات الرسمية في حكومة الإقليم، رغم أن تحويل جنس الأراضي يحتاج إلى موافقات من وزارات معنية"، مؤكدًا نيتهم تنظيم وقفة احتجاجية أمام مبنى المحافظة، للمطالبة بحقوقهم ووقف القرار.
وطالب المتظاهرون حكومة الإقليم بإعادة النظر في القرار، وإنصاف المزارعين، وحماية الأراضي الزراعية من التحويل غير المنصف، في وقت يتزايد فيه القلق من تآكل الرقعة الزراعية أمام التوسع العمراني غير المنظم.