تشهد مدن عراقية عدة تصاعداً في وتيرة الاحتجاجات الشعبية، وسط تفاقم الأزمات الخدمية والمعيشية، واستمرار التجاهل الحكومي لمطالب المواطنين، في مشهد يعكس عمق الغضب الشعبي من الأداء الحكومي وتراكم الإهمال عبر سنوات طويلة.
20 عامًا من الإهمال للگاطون
في حي الگاطون، غربي بعقوبة، تظاهر العشرات من السكان، عصر الجمعة، احتجاجًا على تدهور الواقع الخدمي، واصفين أوضاع منطقتهم بـ"الكارثية والمستمرة منذ أكثر من عقدين"، بسبب تأخر إنجاز مشروع مجاري بعقوبة المركزي، والذي تسبب في تعطيل مشاريع البنية التحتية والخدمات الأساسية.
ووجّه المحتجون انتقادات لاذعة إلى الجهات الحكومية والنواب المحليين، متسائلين عن دورهم بعد انتهاء الانتخابات؟
واكدوا أن الگاطون، الذي يضم أكثر من 200 ألف ناخب، لا يزال يفتقر إلى أبسط مقومات الحياة.
المتظاهر محمد الدليمي قال إن "أحياء غرب بعقوبة مظلومة منذ أكثر من 20 عامًا، وجميع المشاريع الخدمية الأخرى متوقفة بسبب تلكؤ مشروع المجاري"، مشيرًا إلى أن "المسؤولين لا يزورون مناطقنا إلا خلال موسم الانتخابات، رغم أهميتها الانتخابية".
فيما أكد المواطن عبدالله المعموري أن "المنطقة منكوبة ومهمشة خدمياً منذ سنوات، وتُستغل سياسيًا فقط لكسب الأصوات"، موضحًا أن "السكان يعيشون واقعًا يشبه مناطق الحرب، وسط شوارع مكسّرة، ونفايات، وحشرات، وغياب الماء، وانعدام منظومة الصرف الصحي".
وطالب المحتجون بتدخل حكومي عاجل لحسم ملف مشروع المجاري، وإنهاء ما وصفوه بـ"الانتظار القاتل"، الذي حال دون أي تطور عمراني أو خدمي منذ عقود.
قلعة القصاب تعاني العطش
في سياق متصل، شهدت قرية قلعة القصاب، التابعة لمحافظة ديالى، احتجاجًا لسكانها الذين اغلقوا طريق ناحية السلام – بعقوبة لدقائق، مطالبين بتنفيذ مشروع مياه عاجل في ظل معاناة القرية من الجفاف والعطش.
وقال شهود عيان، إن "العشرات من المواطنين عبّروا عن استيائهم من تجاهل الجهات المعنية لمطالبهم المتكررة بشأن أزمة المياه"، لافتين إلى أن القرية تعاني من شح شديد في المياه منذ فترة طويلة، دون أي استجابة رسمية.
وطالب المحتجون الحكومة المحلية بالتدخل الفوري لإطلاق مشروع مياه يضمن الحد الأدنى من احتياجاتهم اليومية، محذرين من تصعيد احتجاجاتهم في حال استمرار الإهمال.
أبو الخصيب تنتفض ضد ملوحة المياه
أما في قضاء أبو الخصيب جنوبي محافظة البصرة، فنُظّمت وقفة احتجاجية حاشدة، شارك فيها العشرات من الأهالي، تنديدًا بتردي الخدمات واستمرار أزمة ملوحة وتلوث مياه الشرب، وسط تجاهل حكومي ووعود لم تُنفذ منذ سنوات.
ورفع المحتجون لافتات تطالب الحكومتين المركزية والمحلية بالتدخل العاجل لمعالجة أزمة المياه، داعين رجال الدين ووكلاء المرجعية الدينية إلى الضغط على المسؤولين للاستجابة لمطالبهم.
وقال منظم التظاهرة، ماجد العراقي، إن "سوء الخدمات وارتفاع ملوحة المياه هما السبب الرئيس لخروجنا"، متسائلًا عن "دور وجهاء وشيوخ القضاء الذين يغيبون عن دعم الأهالي في تحركهم السلمي".
بدوره، قال عبد الرحمن العبودي، أحد وجهاء العشائر، إن "المواطنين لا يطلبون سوى حقوقهم الطبيعية، ولا يمتلكون ماءً صالحًا للشرب رغم مرور شط العرب بين منازلهم"، مطالبًا المرجعية الدينية بالوقوف إلى جانب الأهالي.
أما المواطن أحمد علي ناصر، فعبّر عن استيائه بالقول: "مطالبنا بسيطة... نريد ماءً صالحًا وخدمات تليق بنا، لكن الحكومة تحاربنا حين نحتج".
يُذكر أن قضاء أبو الخصيب يُعد من أكثر المناطق تضررًا من أزمة ملوحة المياه وتدهور البنى التحتية، على الرغم من قربه الجغرافي من شط العرب، وهو ما يزيد من حدة الغضب الشعبي في ظل غياب الحلول الحكومية الجذرية.
اضراب جديد في السليمانية
وفي خطوة احتجاجية جديدة، قاطع عدد كبير من موظفي مديرية ماء السليمانية الدوام الرسمي، مطالبين بصرف مستحقاتهم المالية المتأخرة عن شهر نيسان الماضي.
وقال أحد الموظفين المشاركين في الاحتجاج، إن "المقاطعة واسعة وتشمل أغلب موظفي المديرية، احتجاجًا على تأخر صرف الرواتب"، مشيرًا إلى أن "العودة إلى العمل مرهونة بصرف مستحقاتهم المالية".
وبيّن أن الموظفين المرتبطين بالمشاريع الخدمية استثنوا أنفسهم من المقاطعة نظرًا لحساسية أعمالهم، بينما امتنعت الغالبية عن الحضور.
وتشهد محافظة السليمانية احتجاجات متكررة من موظفين في دوائر مختلفة، وسط مطالبات دائمة بتحسين أوضاعهم المعيشية وضمان انتظام صرف الرواتب دون تأخير.
احتجاجات متعددة ومطالب واحدة
تجسد هذه التحركات الشعبية، من بعقوبة إلى البصرة، مرورًا بديالى والسليمانية، حالة الإحباط الجماهيري من التردي المستمر في الخدمات الأساسية، وغياب الخطط الحكومية الفاعلة، واستمرار الأزمات المعيشية التي تُثقل كاهل المواطنين.
ويجمع المحتجون، على اختلاف مواقعهم، على مطلب واحد: إنقاذ مناطقهم من الإهمال المزمن، واستعادة حقهم في العيش الكريم، في ظل دولة ترعى حقوقهم، لا تزيد من معاناتهم.