في مشهد بات مألوفاً في شوارع العراق، شهدت عدة محافظات موجات جديدة من الاحتجاجات التي قادها خريجون من تخصصات مختلفة، عبّروا عن غضبهم من استمرار تجاهل الحكومات المتعاقبة لمطالبهم في التوظيف وتحقيق العدالة الاجتماعية.
اغلاق مبنى محافظة النجف
في محافظة النجف، احتشد العشرات من الخريجين التربويين والإداريين غير المعيّنين في ساحة الصدرين، مطالبين بتوظيفهم ضمن دوائر ومؤسسات الدولة. المتظاهرون رفعوا لافتات تُشدّد على ضرورة الاستجابة السريعة لمطالبهم التي وصفوها بـ"المشروعة"، مشيرين إلى أنهم ينتظرون فرص التعيين منذ سنوات دون جدوى.
وفي خطوة تصعيدية، أقدم المتظاهرون على إغلاق مبنى مجلس المحافظة، ملوحين باتخاذ خطوات احتجاجية إضافية إذا ما استمر التجاهل الرسمي، داعين وزارة التربية والجهات المعنية إلى التحرك فوراً لإيجاد حلول تنصف هذه الشريحة الواسعة من الخريجين.
المهندسون.. اعتصام يلوح في الأفق
وفي العاصمة بغداد، نظم العشرات من المهندسين وقفة احتجاجية في منطقة العلاوي، مطالبين الحكومة بإنهاء بطالتهم وتوفير فرص عمل تليق بتخصصاتهم.
ورفع المتظاهرون لافتات تطالب رئيس الوزراء بـ"إنصاف خريجي كليات الهندسة"، مؤكدين أن استمرار التهميش دفعهم للتفكير في تحويل احتجاجاتهم إلى اعتصام مفتوح.
عمر محمد، ممثل المتظاهرين عن محافظة ديالى، أوضح أن شريحة المهندسين تعاني من الإقصاء منذ عام 2003، رغم الحاجة الماسّة إليهم في مختلف الوزارات والمؤسسات.
وأضاف أن آلاف المهندسين يتخرجون سنوياً دون فرص عمل، داعياً نقابة المهندسين إلى التواصل مع شركات القطاع الخاص لإيجاد حلول فاعلة.
أما المهندسة إنعام تحسين من محافظة واسط، فقد عبّرت عن استيائها الشديد لعدم حصولها على وظيفة رغم تخرجها منذ ستة أعوام، منتقدة طبيعة العمل في القطاع الخاص الذي وصفته بـ"الاستغلالي" من حيث ساعات العمل الطويلة وغياب العطل الأسبوعية.
وفي السياق، أبدى المهندس فاضل ثامر من بغداد استغرابه من صمت النواب المهندسين داخل البرلمان، رغم أن نسبتهم تصل إلى 40% من الأعضاء، مشدداً على أن الحل الجذري لأزمة البطالة في صفوف المهندسين يتمثل في تعيينهم على الملاك الدائم داخل مؤسسات الدولة.
أسرى حرب الخليج
وأمام مقر وزارة الدفاع في بغداد، تجمهر العشرات من أسرى حرب الخليج الثانية (1990)، مطالبين بصرف مستحقاتهم التقاعدية التي لم تُصرف منذ أكثر من ثلاثين عاماً. المتظاهرون، الذين قدموا من محافظات عدة، طالبوا بصدور أمر ديواني جديد يُسرّع إنجاز معاملاتهم، داعين القائد العام للقوات المسلحة إلى التدخل المباشر في قضيتهم.
علاء محسن جاسم، ممثل المتظاهرين، أوضح أن معاملات الأسرى قُدمت منذ أكثر من ثلاث سنوات إلى مديرية شؤون المحاربين في الوزارة، استناداً إلى الأمر الديواني 262، إلا أنها ما زالت في طور "العد والفرز" دون نتائج ملموسة.
بدوره، أشار المتظاهر داخل بداي السلمان إلى أن عدد الأسرى المتضررين يتجاوز 10 آلاف شخص، متهماً وزارة الدفاع وهيئة التقاعد بـ"التقصير المزمن" في إنجاز المعاملات.
وأكد المحتجون، أنهم سيواصلون اعتصاماتهم لحين تنفيذ مطالبهم بصرف الرواتب التقاعدية التي تكفل لهم حياة كريمة بعد عقود من الإهمال.
خريجو التمريض في السليمانية
وفي محافظة السليمانية، نظم العشرات من خريجي كليات التمريض وقفة احتجاجية أمام مبنى مديرية الصحة، مطالبين حكومة إقليم كردستان بإصدار قرار عاجل لتعيينهم. ووفقاً لما صرح به رواء قورباني عبد الرحمن، ممثل المحتجين، فإن نحو 788 خريجاً من دفعة عام 2024 لا يزالون بلا وظائف رغم الحاجة الماسة إليهم في المؤسسات الصحية.
قورباني أكد أن النقص الحاد في الكوادر التمريضية بالإقليم يستدعي تحركاً سريعاً من قبل الحكومة، محذراً من أن تجاهل المطالب يُعد استخفافاً بمعاناة الخريجين ومصيرهم المهني.
وأضاف أن الاحتجاجات امتدت إلى أربيل أيضاً، حيث طالب المحتجون بإقالة وزير الصحة، متهمين الحكومة بـ"الإهمال المتواصل".
وأوضح أن المحتجين قدموا ملفات رسمية خلال الأشهر الماضية دون أن يتلقوا أي رد يُذكر، ما دفعهم إلى التصعيد.
وفي ختام الوقفة، طالب المحتجون حكومة الإقليم بإدراج ملف تعيينهم على جدول أعمال مجلس الوزراء في أقرب جلسة، ملوحين بالتصعيد وصولاً إلى الإضراب المدني إذا استمر التجاهل الرسمي.
صرخة في وجه الإهمال
وتمثل هذه التظاهرات امتداداً لحالة متفاقمة من الإحباط بين فئات واسعة من الخريجين العراقيين، الذين يرون أن مستقبلهم لا يزال رهينا لقرارات مؤجلة، ونظام وظيفي يفتقر إلى الشفافية والتخطيط. وبينما تتسع رقعة الاحتجاجات، لا تزال الاستجابة الحكومية محدودة، ما ينذر بتصعيد أكبر خلال الفترة المقبلة، إذا لم تتم معالجة هذه الملفات بحلول واقعية وجذرية.