تواجه محافظة صلاح الدين تحديات كبيرة في التعامل مع المخلفات الطبية، حيث تم اكتشاف تراكم كميات كبيرة من النفايات الطبية وغير الطبية خلف مستشفى تكريت التعليمي، في انتهاك واضح للمعايير البيئية.
وبينما تشهد المدينة نقصًا حادًا في الكوادر والموارد اللازمة للتعامل مع هذه النفايات، تبقى المخاطر الصحية والبيئية في تصاعد.
خرق المعايير البيئية
وأعلنت مديرية بيئة صلاح الدين في بداية هذا الشهر عن اكتشاف كميات كبيرة من النفايات الطبية وغير الطبية مكدسة خلف مستشفى تكريت التعليمي، في خرق واضح للمعايير البيئية والصحية.
وفي حديث لمراسل "طريق الشعب"، أوضح مدير بيئة صلاح الدين، محمد مجيد حمد، أن "فرق المديرية، ضمن جهودها الميدانية لمراقبة التزام مختلف القطاعات بالمعايير البيئية، رصدت تراكم النفايات في الموقع دون أن يتم فرزها أو معالجتها".
وقال حمد، أن شعبة البيئة الحضرية بالتعاون مع عناصر الشرطة البيئية تمكنت من ضبط أحد موظفي المستشفى أثناء قيامه بنقل وتفريغ نفايات متنوعة في نفس الموقع، ما يعد انتهاكا وتجاوزا للشروط البيئية والصحية، موضحا أن هذا التصرف قد يشكل تهديدًا للصحة العامة ويسهم في انتشار الأمراض.
وأضاف، أن "المديرية ستتخذ كافة الإجراءات القانونية الضرورية وفقًا لقانون حماية وتحسين البيئة، وذلك للحد من هذه المخالفات وضمان الامتثال الكامل للمعايير البيئية والصحية بما يحفظ سلامة المجتمع". وبالحديث عن نوع اخر من الملوثات التي تشهدها المحافظة، أشار إلى وجود تلوث نفطي ناتج عن حقول النفط في المدينة، ما تسبب بدمار مساحة كبيرة من الأراضي الزراعية"، واكد أنه "تم اتخاذ إجراءات قانونية فورية ضد المسؤولين عن هذه الحوادث".
وكانت وزارة البيئة، قد اكدت في وقت سابق بأن "أغلب المؤسسات الصحية في القطاع الخاص (الأهلية) غير ملتزمة بالمحددات البيئية في التعامل مع النفايات الطبية"، التي تؤثر على بيئة البلاد". واشارت الى وجود حاجة لمحارق مركزية للسيطرة على الكميات الكبيرة من هذه النفايات.
نقص في الكادر
وأفاد مهندس بلديات سامراء، محمد أحمد، أن "البلدية تعاني من نقص حاد في الكوادر العاملة".
وفي حديث لـ "طريق الشعب"، قال أحمد أن "المدينة بحاجة إلى حوالي 800 عامل وفقًا للتقسيمات المطلوبة، بينما لا يوجد لدينا سوى 82 موظفًا فقط"، ما يشكل ضغطًا كبيرًا على الكوادر المتاحة.
وأضاف أحمد، أن "عدد الكابسات الخاصة بجمع النفايات قليل جدًا ولا يتناسب مع الحاجة الفعلية للمدينة".
وفيما يتعلق بالنفايات الطبية، أوضح أنه هناك مشروع قيد التنفيذ للتعامل مع النفايات التي تنتجها المستشفيات، مشيرا إلى أن "المستشفى في مدينة سامراء تحتوي على محارق مخصصة للنفايات الطبية، لكنها تعرضت لأعطال متكررة، والآن ليس لدينا معلومات حول كيفية التخلص من هذه النفايات بشكل مناسب".
استخدام مواد منتهية الصلاحية
فيما يقول د. يثرب محمد، طبيب في احد مستشفيات صلاح الدين، إن "النفايات الطبية تشكل خطرًا كبيرًا على الصحة العامة والبيئة، إذ لم يتم التعامل معها بالشكل الصحيح. فهذه النفايات تشمل العديد من المواد الملوثة، مثل الإبر والمحاقن، القفازات، الضمادات، بالإضافة إلى الأدوية المنتهية الصلاحية، والمواد الكيميائية المستخدمة في التمريض والمعالجة"، مؤكدا ان "جميع هذه المواد تحتوي على ملوثات أو مسببات بأمراض خطرة قد تنتقل بسهولة إذا لم يتم التخلص منها بشكل آمن".
ويضيف لـ "طريق الشعب"، أن "تراكم النفايات الطبية في الأماكن غير المخصصة لها، أو التعامل معها بشكل غير سليم، يؤدي إلى تهديد صحة العاملين في المجال الطبي والمرضى، بل والمجتمع بأسره. لذلك، يجب أن تتم عملية فرز النفايات الطبية منذ لحظة جمعها في المستشفيات، وتخزينها في حاويات مخصصة وآمنة".
كما يجب على جميع المؤسسات الصحية أن تلتزم باستخدام المحارق الطبية المعتمدة أو تقنيات التخلص الحديثة التي تضمن القضاء على هذه النفايات بأمان، الا اننا في العراق ما زلنا بعيدين عن الالتزام بالمعايير البيئية، والمشكلة ليست فقط باستهانة الضرر من قبل المواطنين بل من الجهات الحكومية المعنية.
ويبين الطبيب أنه "لا يمكن التخلص من جميع النفايات الطبية عن طريق الحرق، خاصة تلك التي تحتوي على مواد مثل الكلور، الرصاص، الزئبق والكادميوم، حيث أن حرقها يؤدي إلى إطلاق غازات سامة ومسرطنة في الهواء. لذا، فإن الطرق المثلى للتعامل مع المخلفات الطبية تبدأ بفرزها بناءً على نوعها وخطورتها، مع التعامل مع كل نوع وفقًا للمعايير التي تتناسب معه".
ويؤكد محمد، أن "المسؤولية في إدارة النفايات الطبية تقع على عاتق جميع الأطراف، من المؤسسات الصحية إلى الجهات المعنية بالبيئة، للحفاظ على صحة وسلامة المواطنين".
ولا توجد إحصاءات دقيقة عن كمية المخلفات الطبية التي تُطرح يوميًا، إلا أن دراسة عراقية تشير إلى أن حجم النفايات غير المعالجة في بغداد يصل إلى نحو 0.5 كيلوغرام لكل سرير يوميًا. وتشكل النفايات الخطرة حوالي 15 في المائة من إجمالي المخلفات الطبية.
البيئة تحذر..
وحذر وكيل وزارة البيئة، جاسم الفلاحي، من وجود مشكلة خطيرة تتعلق بعدم وجود إدارة رشيدة ومتكاملة للنفايات، مؤكداً أن النفايات الطبية تُصنف ضمن النفايات الخطرة التي تستوجب معاملة خاصة في جميع مراحل التعامل معها، بدءاً من الجمع والنقل وصولاً إلى المعالجة.
وأوضح الفلاحي، أن "هذه النفايات تحتوي على مخلفات بشرية مثل الأنسجة والمخلفات الدموية، إلى جانب المستلزمات الطبية المستخدمة في العلاج، كالإبر الوريدية والسرنجات والشاش، والتي قد تحمل مواد سامة عالية الخطورة وتكون وسطاً لنقل الفيروسات، مثل التهاب الكبد الفيروسي".
وأشار إلى أن "العديد من المؤسسات الصحية لا تلتزم بالإجراءات المطلوبة في التعامل مع هذه النفايات، إما بسبب الاستسهال أو الاستهتار بالقوانين، ما يشكل خطراً على الصحة العامة".
وأكد أن وزارته رصدت ـ وفقاً لقانون حماية وتحسين البيئة رقم 27 ـ تهاوناً واضحاً من قبل دوائر الصحة في المحافظات، حيث يتم خلط النفايات الطبية مع النفايات البلدية، وهو أمر غير قانوني ويعرض المخالفين للمساءلة القانونية.
وتابع، أن "الوزارة تمتلك سجلات تتضمن عدداً كبيراً من المخالفات، حيث تبدأ الإجراءات القانونية ضد المخالفين بالإنذار، ثم الغرامة، وصولاً إلى الإحالة للقضاء، مع إمكانية إغلاق المؤسسات غير الملتزمة". لكنه أقر بأن الوضع الصحي الراهن في البلاد قد يفرض تحديات على تنفيذ قرارات الإغلاق.
ونبه الفلاحي الى أن "مسؤولية التعامل مع النفايات الطبية تقع على عاتق وزارتي الصحة والبلديات، وفق القانون"، مؤكداً أن "وزارة البيئة ليست جهة خدمية بل رقابية، تعمل على تشخيص المخالفات واتخاذ الإجراءات القانونية بحق الجهات الملوثة للبيئة، سواء كانت حكومية أو خاصة".
واختتم تصريحه بالتأكيد على أن "كل مستشفى أو مركز صحي يجب أن يخصص ميزانية ضمن موازنته للتخلص الآمن من النفايات الطبية"، محذراً من "خطورة تجاهل هذا الأمر على صحة المواطنين".