اخر الاخبار

شهدت ساحة الفردوس وسط بغداد، امس السبت، وقفة احتجاجية حاشدة نظمها ناشطون ومختصون في المجالين القانوني والمجتمعي، للتعبير عن رفضهم التعديلات المقترحة على قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959. هذه التعديلات، التي أثارت جدلًا واسعًا، تهدد بتقويض حقوق المرأة والطفل، وتفتح الباب أمام تأثيرات طائفية على القوانين الأسرية.

وأوضح الدكتور وائل البياتي، أستاذ القانون الدستوري لـ"طريق الشعب" أن الوقفة الاحتجاجية التي نُظمت يوم امس جاءت بتنسيق بين منظمات المجتمع المدني وأكاديميين وناشطين بهدف رفض آلية التصويت في البرلمان، التي شهدت تمرير ثلاثة قوانين بصفقة واحدة.

ووصف البياتي هذا الإجراء بأنه يخالف النظام الداخلي للبرلمان ومبادئ الديمقراطية الواردة في الدستور.

وأشار إلى أن النواب أُجبروا على التصويت على القوانين الثلاثة دون أن يُمنحوا خيار رفض أحدها أو قبول الآخر، معتبرًا أن ذلك يعكس ديكتاتورية رئيس مجلس النواب الذي فرض إرادته على ممثلي الشعب. وأكد أن مدة التصويت لم تتجاوز الثانية ونصف الثانية، دون تحقق فعلي من الأغلبية اللازمة للأصوات المؤيدة.

أما عن تعديل قانون الأحوال الشخصية، فقد أشار البياتي إلى أن "الصيغة الحالية تحمل مخاطر كبيرة على حقوق المرأة، إذ تتيح تعديل الالتزامات بين طرفي العقد دون موافقتهما، وتعتمد على تفسير مذهبي".

كما نبّه إلى "خطورة اعتماد رأي "المشهور" في المذهب الجعفري، الذي يسمح بزواج الفتيات في عمر تسع سنوات، ما يعد انتهاكًا لحقوق الطفولة والتزامات العراق الدولية في حماية الطفل ومنع التمييز ضد المرأة"، مؤكدا أن "هناك تحركات قانونية لرفع دعاوى قضائية ضد بطلان آلية التصويت، والطعن في دستورية التعديلات".

وقال، أن هذه الوقفة الاحتجاجية هي جزء من سلسلة تحركات للضغط على الجهات الحكومية والبرلمانية لتصحيح هذه الانتهاكات وإعادة النظر في المخالفات.

تعديلات تشرعن التمييز

بدورها، أكدت عضو منظمة حمورابي لحقوق الإنسان، إخلاص كاظم مهنام، لـ"طريق الشعب" أن التعديلات المصوت عليها في قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 تمثل تشويهًا للقانون الذي ظل يُنظم الحياة الشخصية للعراقيين لأكثر من 65 عامًا.

وأوضحت، أنها تخدم مصالح فئوية على حساب حقوق المرأة والطفل، مشيرة إلى أن القانون الجديد يُحرم الأم من حضانة أطفالها في سن السابعة، ويمنعها من النفقة والميراث إلا بشروط معينة.

وأضافت، أن "السماح بزواج القاصرات في عمر 15 عامًا أو أقل يُعد انتهاكًا صارخًا لحقوق الطفولة، وأن مثل هذه التعديلات تفتقر إلى أي منطق أو حكمة"، مؤكدة أن "التعديلات المطروحة لا تراعي الأقليات الدينية، التي قد تجد نفسها مضطرة للامتثال لقوانين لا تتناسب مع معتقداتها". وطالبت مهنام الحكومة بالحفاظ على القانون الحالي الذي يضمن حقوق جميع العراقيين، داعية إلى رفض التعديلات التي ستعود بالبلاد إلى الوراء وتضر بالنسيج الاجتماعي".

مهزلة التصويت

من جهتها، وصفت الناشطة المدنية د. هالة العبيدي عملية التصويت الأخيرة في البرلمان بأنها "مهزلة تستحق براءة اختراع".

وأشارت خلال حديثها لـ"طريق الشعب" إلى، أن تمرير ثلاثة قوانين جدلية في تصويت واحد يُعد أمرا غير مسبوق في أي برلمان عالمي.

وأوضحت العبيدي، أن تعديل قانون الأحوال الشخصية بصيغته الحالية يفتقر إلى العدالة، حيث يعبث بالعقود القانونية بين الأطراف دون مبرر. كما أعربت عن مخاوفها من الأثر الرجعي للتعديلات، خاصة فيما يتعلق بالحضانة التي أصبحت وفق القانون الجديد الى عمر سبع سنوات، والتي تحرم الام من اطفالها.

وأضافت العبيدي، أن فقدان الثقة في القوانين سيدفع الكثير من النساء للعزوف عن الزواج، مشيرة إلى أن هذه التعديلات تُظهر العراق في صورة سيئة أمام العالم.

واختتمت حديثها بالتأكيد على أهمية استمرار الاحتجاجات لإيقاف هذه التعديات على حقوق النساء.

قرارات عشوائية

من جهتها، اكدت الناشطة النقابية كوريا رياح أن الوقفة تأتي رفضا لما وصفته "عملية اتخاذ قرارات غير دستورية وغير أخلاقية في البرلمان".

وقالت أن قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 كان من أكثر القوانين إنصافًا للعراقيين، وأن التعديلات الحالية تهدف لتقييد حقوق النساء باسم الدين، مشيرة الى أن هناك هجمة غير مسبوقة على حقوق النساء في العراق، والتي تُعبر عنها حملات التشويه على وسائل التواصل الاجتماعي.

وأضافت، أن العراق صادق على اتفاقيات دولية تضمن حقوق المرأة، وأن مخالفة هذه الاتفاقيات قد تعرض البلاد لعقوبات دولية.

وشددت رياح على ضرورة استمرار التحركات القانونية والاحتجاجات للحفاظ على حقوق المرأة والمجتمع، مؤكدة أن العراق بلد ديمقراطي ويجب أن يحترم تنوعه.

زواج القاصرات وتسليع النساء

من جهته، أكد المحامي محمد جمعة لـ"طريق الشعب"، أن التعديل المقترح يمثل خطرا حقيقيا على بنية المجتمع العراقي.

وقال، ان الوقفة "تهدف إلى إلغاء تعديل قانون الأحوال الشخصية، الذي يحمل آثارا مدمرة على المجتمع. هذا التعديل يسمح بزواج القاصرات بعمر 15 سنة دون شروط، وهو استغلال صريح للأطفال وتسليع النساء".

وأشار جمعة إلى أن التعديل يعزز الطائفية من خلال تسليم شؤون الأسرة إلى رجال الدين، مما يُهدد استقلال القضاء، متوقعا أن "آثار هذا التعديل ستظهر قريبًا، وستكون كارثية على حقوق المرأة ووحدة الأسرة. نطالب بإلغاء هذا التعديل بالكامل، وهناك تحركات قانونية جارية لدعم هذا المطلب، بما في ذلك تقديم دعاوى جديدة بعد نشر القانون في الجريدة الرسمية".

وأوضح جمعة، أن المحامين يواجهون مضايقات مستمرة بسبب دفاعهم عن حقوق المرأة والمجتمع، لكنه أكد التزامهم بمواصلة النضال: "رغم هذه المضايقات، نحن مستمرون في الدفاع عن المظلومين. هذا واجبنا الأخلاقي والمهني، وسنواصل التصدي لهذا القانون بكل السبل القانونية".

تعديل غير دستوري وطابع طائفي

وفي سياق متصل، وصفت الناشطة خيال الجواهري تعديل قانون الأحوال الشخصية بأنه خطوة غير قانونية تمت بطريقة مخالفة للأصول الدستورية.

وقالت لـ"طريق الشعب"، "نقف اليوم ضد تعديل قانون الأحوال الشخصية الذي أُدرج بطريقة غير قانونية ضمن مجموعة قوانين أخرى في جلسة واحدة. حتى بعض النواب في البرلمان رفضوا هذا الإجراء، لأنه لا يتوافق مع طبيعة النقاش لمثل هذه التعديلات".

وأضافت الجواهري، أن القانون الحالي، الذي وُضع على يد مختصين قانونيين، كان من أكثر القوانين تقدما في حماية حقوق المرأة والطفل. إلا أن التعديل المقترح يحمل طابعا طائفيا، وهو ما يُعد انتهاكا لحقوق الطفل.

واختتمت بالقول: ان "الطفلة تحتاج الحنان والرعاية، وليس الزواج. هذا التعديل سيقسم المجتمع بين مؤيد ومعارض، وسيؤدي إلى ظلم كبير للمرأة والأطفال، ويحرم المرأة من حقوقها الأساسية، كالنفقات والإرث، مما يجعله قانونًا غير عادل ومرفوض تمامًا. نحن مستمرون في الوقوف ضد هذا التعديل وسنلجأ للمحكمة الاتحادية للدفاع عن حقوق المرأة والمجتمع".

عرض مقالات: