لا تزال أزمة الكهرباء في البلاد تمثل معضلة معقدة منذ عقود، حيث تعاني منظومة الطاقة من ضعف البنية التحتية وسوء الإدارة، إلى جانب الاعتماد الكبير على استيراد الغاز لتشغيل المحطات، وبرغم المبالغ الضخمة التي أُنفقت على هذا القطاع، إلا أن الانقطاعات المستمرة في التيار الكهربائي، حتى خلال فصل الشتاء الحالي، تعكس غياب الحلول الجادة. ومع اقتراب فصل الصيف، تتزايد مخاوف المواطنين من معاناة أشد في حال ارتفاع درجات الحرارة، ما يضع تساؤلات جدية حول ملف الربط مع دول الخليج والعراقيل الذي يواجهه، وعن قدرة الحكومة على تجاوز هذا الملف الشائك.
الكهرباء: نمر بأزمة!
في هذا الصدد، قال المتحدث الرسمي لوزارة الكهرباء، احمد موسى ان "زيارة السيد رئيس الوزراء الى طهران، بحث ملف الكهرباء والغاز الايرانيين وعودة إمدادات الغاز"، مشيرا الى ان وزارته لديها "خطط معدة مستبقا لاستقبال ذروة الاحمال الصيفية، وهناك طاقات توليدية جرت تهيئتها لفصل الصيف، فضلا عن اعمال صيانة دورية وتأهيل محطات الانتاج".
وأضاف موسى في حديثه مع "طريق الشعب"، ان هناك مرونة في ساعات التجهيز وعملية مناقلة الأحمال عبر المحطات التحويلية الجديدة"، مشيرا إلى "العمل على معالجة الاختناقات ونصب المحطات الثابتة والمتنقلة في مراكز الحمل، وتأهيل شبكات التوزيع واستحداث المغذيات، على ان تكون جاهزة قبيل الاستعدادات الصيفيّة".
وأكد أنّ هناك حاجة قبل "دخول ذروة الاحمال الصيفيّة إلى وجود خطة وقودية. كما إننا نحتاج لأن نطمئن الى وجود الغاز والوقود الكافي واللازم لتشغيل محطاتنا".
وتابع موسى قائلاً: "إننا اليوم نمر بأزمة، وهذه الازمة تمثلت بنقصان المنظومة وتراجع الانتاج، نتيجة توقف إطلاقات الغاز. ولم يعد خافيا على أحد أن هناك محطات ووحدات توليدية متوقفة، وخسارة أكثر من 8000 ميغا واط من المنظومة بسبب توقف الغاز المستورد. واقصد بذلك الغاز الإيراني بسبب أعمال الصيانة، الأمر الذي أثّر على توقف المحطات بشكل كبير".
ونوّه الى أنّ "الغاز الوطني لا يكفي الان لسد الحاجة، ووزارة النفط تسارع الخطى لإنجاز حقول الغاز الوطنية"، مؤكدا أن هناك "حاجة مع دخولنا ذروة الأحمال الصيفية الى ان تكتمل خطتنا، وهذا الجزء متعلق بالوزارة وواجب التنفيذ، والجزء الاخر نحتاج فيه الى ان نطمئن الى وجود اطلاقات غاز كافية".
لا رؤية ولا تخطيط
من جهته، قال الخبير الاقتصادي صالح الهماشي ان "وزارة الكهرباء لا تختلف عن نظيراتها من الوزارات او المؤسسات، فهي الأخرى لا تحمل رؤية بعيدة المدى وتخطيطا على أساس دراسة واضحة ودقيقة للواقع".
وأضاف في حديثه مع "طريق الشعب"، أن "مشكلة الوزارة هي انها ليس لديها تقدير لاحتياجات العراق من الكهرباء وحجم النمو المتوقع السنوي او الفصلي. ولهذا فإن العملية تتم بشكل عشوائي في زيادة إنتاج الطاقة الكهربائية، وسط تصريحات متضاربة".
وتابع قائلاً: ان هناك "امكانية لاستيراد الطاقة من دول الخليج او مصر او تركيا، وهذا سيدفع هذه الدول الى رفع انتاج الطاقة لتغطية حصة العراق، ما يعني انهم سيستثمرون من اجل رفع الانتاج، وبذلك لا يمكن للعراق ان يستغني عنها خلال سنتين او ثلاث او خمس سنوات، ويجب ان يكون العقد الاستيراد من هذه الدول مستمرا لمدة 20 او 25 عام".
ولفت الهماشي الى ان "هذا الاستيراد قد يساهم بتحسن الكهرباء نسبياً وخفض الانقطاعات، لكنه لن يحل المشكلة بشكل تام"، مشيراً الى ان "العائق الذي يعرقل هذا الربط هو سياسي اكثر مما هو فني".
وخلص الى القول ان "مخاوف المواطنين اليوم من خطط الصيف كبيرة، نظراً لسوء احوال الكهرباء التي نشهدها اليوم ونحن في فصل الشتاء، حيث لا توجد احمال كبيرة ولا ضغط ولا استهلاك كبير للطاقة، فكيف سيكون الحال في فصل الصيف؟".
لا استغناء عن الغاز الإيراني
واكد الخبير الاقتصادي محمد الحسني، أنّ "مشاريع الربط الكهربائي التي شرع بها العراق مع دول الجوار لا تعني الاستغناء عن الغاز الإيراني، وبالتالي فإنّه من الناحية العملية تعد هذه المشاريع غير مجدية".
وبيّن أنّ "العراق سيحصل في حال الانتهاء من هذه المشاريع على 3000 في أحسن الأحوال في حين حاجة البلاد تبلغ أكثر من 10 آلاف ميغاواط، وتزداد إلى أكثر من 15 ميغاواط في السنوات المقبلة".
ويعتبر العراق من بين تسع دول مسؤولة عن غالبية عمليات حرق الغاز، والتي تستحوذ على نحو نصف الإنتاج العالمي من النفط، وتفيد بيانات البنك الدولي بأن العراق هو ثاني أكثر دولة في العالم تستخدم هذه الممارسة بعد روسيا وقبل إيران والولايات المتحدة. وفي العام 2020، بلغ حجم الغاز المحترق في العراق 17.374 مليون متر مكعب. وينتج حالياً 16 ألف ميغاواط من الكهرباء وهو أقل بكثير من حاجته المقدرة بـ24 ألف ميغاواط، وتصل إلى 30 ألفاً في فصل الصيف.