اخر الاخبار

يعد ملف النازحين في العراق من أكثر الملفات تعقيداً واستعصاءً. طالما بقي آلاف العائلات عالقين بين ويلات النزوح وظروف العيش القاسية داخل المخيمات، في ظل غياب اية بوادر واضحة وشاملة لإعادة التوطين أو تأمين العودة الطوعية إلى مناطقهم الأصلية.

ورغم مرور سنوات على انتهاء العمليات العسكرية ضد تنظيم داعش، لا تزال أسباب عديدة تحول دون حسم هذا الملف، منها تعقيدات الوضع الأمني والخدمي في المناطق المحررة، وغياب التعويضات المناسبة للمتضررين، فضلاً عن النزاعات والصراعات السياسية التي أضفت طابعاً إضافياً من التعقيد.

إلى جانب ذلك، تواجه جهود معالجة أزمة النزوح مشكلة غياب التمويل الكافي، وضعف التنسيق بين الجهات الحكومية والمنظمات الدولية، ما أدى إلى استمرار معاناة النازحين وتفاقم أوضاعهم المعيشية. كما يبرز دور بعض القوى السياسية في استغلال القضية لأغراض انتخابية، الامر الذي يؤخر الحلول الحقيقية، ويزيد من تعقيد الملف.

ومع كل هذه التحديات، يبقى السؤال الأهم: متى يتم إنهاء هذا الملف الإنساني المرهق لضمان حياة كريمة للنازحين؟

175 مخيما

وفي هذا السياق، أكد المتحدث باسم وزارة الهجرة والمهجرين، علي عباس جيهانكير، أن ملف الهجرة والنزوح يحمل تداعيات كثيرة جداً، ويتطلب تضافر جهود جميع المؤسسات القطاعية.

وأضاف جيهانكير في حديث صحافي، أن "أي خطة للعودة تتطلب التزامات من باقي المؤسسات، مثل قطاع الكهرباء والصحة والتعليم، لتحقيق عودة آمنة تترافق مع توفير الخدمات الأساسية".

وأشار إلى أن "هناك 175 مخيمًا حاليًا، معظمها في كردستان، وأنه من الضروري توفير الخدمات في المناطق المستهدفة لإعادة النازحين"، موضحا أن "مشروعاً لإعادة النازحين بالتنسيق مع الوكالات الدولية قد انطلق في محافظة صلاح الدين، خاصة في منطقة عزيز بلد والمناطق الأخرى، لتحقيق هذا الهدف".

وواصل حديثه الذي تابعته "طريق الشعب"، أن "التحديات التي تواجه إعادة العوائل تتنوع بين التحديات الأمنية، والخدمات، والمشاكل الاجتماعية والعشائرية، وعدم توفر الفرص".

وأكد أن "هذه التحديات يجب أن تُحل لتحقيق عودة آمنة ومستدامة للنازحين".

أين الخلل؟

رئيس المركز الاستراتيجي لحقوق الانسان، د. فاضل الغراوي قال ان "ملف النازحين من الملفات المعقدة والإنسانية الشائكة. النازحون في العراق ولفترة زادت على عشر سنوات، تحملوا كما هائلا من المعاناة وما يتعلق بالتداعيات الانسانية لوجودهم في هذه المخيمات، حيث فقدوا الكثير من الجوانب الانسانية، التي لا تتناسب مع قيم الكرامة الانسانية التي يجب ان تقدم لهم".

واضاف قائلاً لـ"طريق الشعب"، إن "الابقاء على المخيمات حتى الان، يمثل انتهاكاً صارخاً لحقوق النازحين، بوجود النزوح ومخيمات النزوح لمرحلة مؤقتة"، مشيراً الى ان "هذا الملف ما زال يمثل نقطة سوداء في موضوعة المعاناة الاساسية التي يتحملها النازحون بوجودهم في هذه المخيمات، التي لا تحميهم او تقيهم من حر الصيف ولا من برد الشتاء".

وعزا الغرواي عدم اغلاق المخيمات وحسم هذا الملف الى "عدة اسباب، منها ادارية واخرى امنية و خدماتية، ومنها اسباب تتعلق بموضوعات جبر الضرر والتعويضات الاقتصادية بالنسبة للنازحين".

وواصل القول ان هناك "مشاكل اخرى، تتعلق بتعدد الادارات الموجودة في هذه المناطق وعدم تفعيل موضوع اتفاقية سنجار، وتعدد القوى الامنية الماسكة للأرض. هذه العوامل كلها اثرت بشكل كبير في مسألة عدم اغلاق المخيمات، رغم ان الدولة العراقية كانت قد حددت شهر تموز الماضي موعدا لاغلاق كل المخيمات، ولكن بسبب عدم اكتمال المنظومة التي تتعلق الاستجابة الاساسية لمتطلبات العودة الطوعية، تم تمديد هذا التوقيت لحين اكتمالها".

واكد ان "استمرار الحال على ما هو عليه، يمثل خرقاً لمسؤولية الدولة في مهامها الاساسية بتحقيق متطلبات العودة الطوعية، كما تمثل استمرارا للمعاناة الاساسية بالنسبة للنازحين، وايضا تمثل اشكالية كبيرة في عدم التعامل مع متطلبات انهاء ملف النزاع واستمرار المشاكل التي تتعلق بما بعد النزاع، وهذا ايضا يعد احد التحديات الاساسية".

وخلص الى القول ان "الخلل الاساسي يكمن في وجود العديد من الاجراءات التي لم تكتمل، وخصوصاً ان هذه الاجراءات تحتاج الى قرارات ادارية، واجراءات مباشرة من الدولة ومؤسساتها، لاكمال متطلبات حث النازحين على العودة الطوعية والتوطين في مناطقهم التي تم تهجيرهم منها".

قرار سياسي

وفي سياق متصل، قال الصحافي الايزيدي ذياب غانم ان "الحكومة العراقية عاجزة عن إعادة النازحين إلى مناطقهم، كون ان بقاء الحال على ما هو عليه مرتبط بقرار سياسي، وان الحكومة العراقية تشكلت عن طريق المحاصصة، وهناك جهات لا تريد عودة النازحين، لأسباب عديدة تتعلق بمصالحهم السياسية".

وأضاف في حديث مع "طريق الشعب"، ان "الحكومة أخفقت، ولا تزال عاجزة عن إقناع هذه الجهات باعادة النازحين، فحتى وزارة الهجرة مثلاً، اوقفت ترويج معاملات العودة الطوعية للنازحين"، مبينا ان "النازحين الان في مخيمات دهوك وزاخو، بانتظار افتتاح دوائر وزارة الهجرة لترويج معاملاتهم".

واشار غانم الى ان "اسباب عدم عودة النازحين سببه الفساد والفائدة المتحققة من بقاء الحال كما هو، وايضاً استثمار الملف سياسياً وانتخابياً، سيما وان النازحين يمثلون ورقة رابحة لبعض القوى التي تستغل معاناتهم، كما ان هناك قوى لا تريد ان تخسر سنجار سياسياً، بدليل ان قضية ادارة سنجار ايضاً تمت عرقلتها لاسباب سياسية".

وبحسب المتحدث، فإن هناك "اتفاقات سياسية خفية بين أحزاب سياسية تجنح لايقاف ترويج عمليات العودة الى سنجار وابقاء الحال على ما هو عليه"، معتقدا أن "النازحين الايزيديين بشكل خاص، تعرضوا لموجة خطابات كراهية وتحريض وتهديد؛ فالكثير منهم اتخذ قرارا بالعودة الى قضاء سنجار باعتباره الافضل".

وأردف أن هناك نازحين لا يمتلكون منازل او مأوى في سنجار، فهم مجبرون على ان ينتظروا حتى يجدون اماكن تأويهم كي يعودوا. وفي هذا الوقت تحديداً اوقفت وزارة الهجرة والمهجرين ترويج معاملات العودة، وتم اجبار النازح على البقاء في الخيمة، بينما عاد بعضهم بدون كتاب عودة".

واختتم غانم حديثه بأن وزارة الهجرة أخلت بوعودها للعائدين الى مساكنهم في سنجار: هناك عوائل نازحة منذ 5 اشهر لم تتسلم منحة العودة وقدرها 4 مليون دينار، وقبلهم ايضا وجبة عادت منذ عام 2017 ولم تتسلم المنحة ايضاً، معللا ذلك بـ"دوافع سياسية خلف ايقاف عملية العودة، فوزارة الهجرة هي المسؤول المباشر المعني بهذا الملف".

عرض مقالات: