اخر الاخبار

تُعد محافظة ذي قار واحدة من أكثر المحافظات العراقية معاناةً على الصعيد الخدمي والتنموي، رغم اعتبارها رسميًا "منطقة منكوبة" بقرار من مجلس النواب عام 2019. تواجه المحافظة تحديات هائلة تتعلق بتنفيذ المشاريع التنموية والخدمية، حيث تُظهر الأرقام الرسمية أن نسب إنجاز المشاريع متدنية وسط اتهامات بانتشار الفساد وسوء الإدارة.

محافظة منكوبة

يقول الباحث في الشأن السياسي محمد الخرسان من محافظة ذي قار، ان "المدينة أُعلن عنها كمنطقة منكوبة بقرار من مجلس النواب عام 2019، حيث تواجه واقعًا خدميًا متدهورًا يعكس غياب التخطيط وسوء التنفيذ"، مستدركاً بالقول "على الرغم من الاحتجاجات التي شهدتها المحافظة، وما أفضت إليه من قرارات تهدف إلى تحسين الوضع، إلا أن النتائج جاءت دون التوقعات".

وفي حديثه لـ "طريق الشعب"، عن أوضاع المحافظة، أكد الخرسان، أن "قرار مجلس النواب كان خطوة ضرورية لإدراك عمق المشكلات، لكن التنفيذ افتقر للجدية".

وقال: "بعد تظاهرات 2019 تم الإعلان عن ذي قار كمحافظة منكوبة، إلا أن المشاريع التي أُطلقت لاحقًا لم تحقق الهدف المنشود"، مشيرا إلى أن "المشاريع التنموية التي انطلقت عقب القرار ركزت بشكل كبير على مركز المحافظة، متجاهلة الأقضية والنواحي التي تعاني أوضاعًا أكثر سوءًا. حتى المشاريع المنفذة في المركز شابها التلكؤ وسوء التنفيذ، مما أثار استياء الأهالي والمسؤولين على حد سواء".

وأضاف أن "الشوارع غير مطابقة للمواصفات، شبكات المياه متهالكة، والمدارس تُبنى دون مراعاة الكثافة السكانية. هذا فضلاً عن مشاريع غير مدروسة مثل مستشفى العشرين سرير، الذي أُهدرت عليه مليارات من دون نتائج ملموسة".

مشاريع وهمية

وعلى الرغم من إطلاق صندوق إعمار ذي قار لتحسين الأوضاع الخدمية، ذكر الخرسان أن الصندوق تحول إلى رمز آخر للإهمال وسوء الإدارة، مبينا أن الأموال المرصودة لم تُصرف بطريقة مدروسة، فيما بقيت معظم المشاريع وهمية أو غير مكتملة.

وأضاف: "القرارات تُتخذ من دون إشراك الأهالي أو الخبراء، ما يجعل المشاريع بعيدة عن تلبية الاحتياجات الحقيقية".

ولم يغفل الخرسان الإشارة إلى الفساد المستشري في إدارة المشاريع، قائلا: ان "الأموال موجودة والمشاريع مخطط لها، لكن غياب الأيدي الأمينة والإرادة الحقيقية يجعل نسبة نجاحها تكاد تكون معدومة"، مشددا على أهمية تشكيل لجان متابعة ميدانية مؤهلة لمراقبة التنفيذ وضمان تحقيق العدالة في توزيع المشاريع بين مناطق المحافظة.

وخلص الخرسان إلى الدعوة لـ"ثورة قانونية" تعيد هيكلة آليات التخطيط والتنفيذ. كما شدد على ضرورة إشراك الكفاءات المحلية في إدارة المشاريع، مع تعزيز الشفافية ومكافحة الفساد.

الحكومة المحلية ترد..

يقول علي كامل، المعاون الفني لمحافظ ذي قار، أن "المحافظة لا تمتلك مشاريع وهمية على الإطلاق، وأن جميع المشاريع المتلكئة تنحصر في بعض المشاريع التي بدأت منذ عام 2019 و2021". وأضاف أن "الحكومة المحلية الحالية بدأت بتفعيل حل هذه المشاريع، حيث تم حل عدد من المشاريع المتلكئة لعام 2021 وتم استلامها جزئيًا".

ويضيف كامل في حديث لـ "طريق الشعب"، أن "أبرز أسباب التلكؤ في تنفيذ المشاريع كانت "إدارية ومالية"، حيث توجد ضوابط معينة تحكم سير العمل، موضحا أن هناك مشاكل أخرى تتعلق بالأطراف المنفذة للمشاريع. على سبيل المثال، "أحد المقاولين تأخر في تنفيذ مشروع تجهيز معامل الإسفلت، ما دفعنا إلى اتخاذ إجراءات قانونية ضده"، لافتًا إلى أن "أحد أقارب المقاول جاء بعد ذلك وبدأ التعاون مع الجهات المعنية، ما ساهم في دفع المشروع وإزالة بعض التلكؤ".

وفي ما يخص المشاريع المتلكئة، أشار المعاون الفني إلى أن "المحافظ تولى شخصيًا متابعة المشاريع المتلكئة بالتنسيق بين المحافظة والوزارة"، مؤكدًا أن جهودًا كبيرة تُبذل حاليًا لتسريع تنفيذ المشاريع الحيوية في المحافظة.

290 مشروعا

وكشف مصدر حكومي رفض الإفصاح عن اسمه عن أرقام توضح واقع المشاريع المعلن عنها منذ عام 2007 وحتى الآن. حيث أوضح أن "المحافظة شهدت إعلان وإحالة اكثر من 290 مشروعا، لكن نسب إنجاز هذه المشاريع بلغت فقط 16 في المئة، بواقع تنفيذ 50 مشروعاً".

وأضاف المصدر، أن "غالبية المشاريع المنجزة تعاني من تنفيذ رديء"، مشيراً إلى أن العديد منها يتعلق بمجالات حيوية، مثل المجمعات السكنية، المدارس الأهلية، العيادات الطبية، المشاريع الصناعية، المعامل التجارية، والزراعية".

وأكد المصدر، أن هذه المشاريع "تحولت إلى مشاريع وهمية".

وأشار الى وجود نواب في البرلمان تعهدوا بمتابعة وجمع الأوليات والمستندات المتعلقة بالقضايا المرتبطة بالجهات المسؤولة عن هدر الأموال العامة، وفتح الملفات أمام هيئة النزاهة، لكن المصدر عقّب على ذلك بأنه "مجرد كلام"، لأجل الحفاظ على القاعدة الانتخابية.

وفي محاولة لتدارك الوضع المتأزم، قام كل من مجلسي الوزراء والنواب باستحداث صندوق إعمار ذي قار، باعتبارها محافظة منكوبة، بهدف تسريع العمل في المشاريع المعطلة. وتؤكد الحكومة العراقية مراراً التزامها بتنفيذ المشاريع الخدمية والبنى التحتية كأولوية ضمن خططها لتحسين الخدمات الأساسية وتعويض السكان عن سنوات من الإهمال والتعطيل.