في ظل تراجع الإنتاج السينمائي في العراق، وغياب الدعم المستدام لصناعة السينما والإعلام، تبرز الحاجة الماسة لإنشاء مدينة خاصة بالسينما والفن والإعلام أكثر من أي وقت مضى، فالعراق، الذي يمتلك إرثًا ثقافياً عريقاً ومجتمعاً متعدد الثقافات، يعاني من غياب بنية تحتية تدعم الصناعة السينمائية والدرامية وتديم زخمهما، ما غيّبه عن المشهد الفني العالمي والإقليمي.
حاجة وليس رفاهية
ورغم وجود محاولات للنهوض بهذا القطاع، تظل العوائق المادية والهيكلية، إلى جانب غياب الرؤية الاستراتيجية، تعرقل اية محاولات احداث نهضة سينمائية حقيقية.
ويجد مختصون، أن إنشاء مدينة متخصصة ليس مجرد رفاهية ثقافية؛ بل خطوة استراتيجية لتحفيز الاقتصاد، وخلق فضاء يمكن أن يستقطب المواهب المحلية والإقليمية.
وتكمن اهم التحديات في قدرة الدولة على تجاوز واقع ضعف التخطيط وضعف الاستثمار في القطاع الثقافي. وفي كيفية ضمان ألا يتحول المشروع إلى مبادرة أخرى تضاف إلى قائمة الإخفاقات التنموية. فهل يمكن لهذا الحلم أن يتحقق في ظل بيئة سياسية واقتصادية مضطربة؟
لجنة وزارية تنظر في المشروع
وفي هذا الشأن، أكد مسؤول في وزارة الثقافة، اهمية وضرورة انشاء مدينة انتاج اعلامي، مبيناً انها سترفد وتسهم في العديد من النواحي بدعم الانتاج الدارمي والسينمائي وتوفير فرص العمل.
وبين المتحدث (رفض كشف هويته) في حديث لـ"طريق الشعب"، انه "تم تشكيل لجنة عليا في وزارة الثقافة للنظر بهذا المشروع، ويجري فيها العمل على قدم وساق، كما ان هناك محاولات من القطاع الخاص بهذا الاتجاه"، مشيراً الى ان "هذا المشروع مهم جداً، لاننا في الأساس لا نملك مدينة بهذه المواصفات، بما يخدم الإنتاج السينمائي، بينما ستوفر هذه المدينة من زخم للإنتاج الفني، وتوفر تسهيلات للإنتاج الدرامي وتشغل إيادٍ عاملة".
واوضح ان "مدينة الانتاج الإعلامي في القاهرة أو مدينة الإنتاج الإعلامي في إيران او في دبي أو في الرياض، وفرت مساحات واسعة للعمل الدرامي، و ما عاد المخرج يلاقي صعوبة في عمله".
وأشر ان "الانشاء سيتم عن طريق الاستثمار"، مؤكداً انها "ستوفر فرص عمل كبيرة لآلاف الشباب العاطلين عن العمل، وستخلق مجالات عمل وتدريب وتطوير".
وبيّن ان "مشروعا فنيا بهذا الحجم، سيقدم اسهامة محترمة في اعلاء الشأن الفني".
وخلص الى القول: إن هناك "تبنيا حكوميا لهذا المشروع، عبر وزارة الثقافة والسياحة والآثار التي تبنته بالكامل وحتى طرحه في هيئة الرأي بالوزارة".
صندوق دعم السينما
من جهته، قال المخرج ملاك علي ان "مدينة الإنتاج الإعلامي ستفتح مساحات بالقصص والتصوير وتوفر مواقع كبيرة للتصوير بسهولة، وبوجودها سنتمكن من إدخال شركات الإنتاج العالمية لتصوير الأفلام التي ستدخل موردا ماليا لايجار هذه المواقع، وبالتالي ستعود هذه الموارد على الدولة وقطاع السينما في الوقت ذاته".
وتابع قائلاً لـ"طريق الشعب"، إنه وعددا من المخرجين ناشدوا "تأسيس صندوق لدعم السينما، بمؤسسة كاملة يمكن من خلالها أن ننتج الأفلام وأن نتحصل على أرباح، وان تكون السينما العراقية مستمرة"، مشيراً الى أن "منحة رئيس الوزراء لدعم الإنتاج السينمائي، ذات الـ 5 مليار دينار، سينتج عنها أفلام قليلة، وهي أفلام للهرجانات لا الجمهور".
ونوه الى أن "كل الدول لديها صندوق ثابت وبميزانية ثابتة تصرف لمخرجين البلد، وصناعتها وشركاتها، بينما نحن حتى الآن ليس لدينا ولو فيلم عراقي واحد تم توزيعه خارج العراق، ويُشاهد في دور السينما بوقت واحد".
وأردف بالقول: ان "صندوق الدعم السينمائي وبوجود مؤسسة إدارية كاملة تدير مدينة الإنتاج، ستكون هناك استدامة كاملة للبناء والتطوير، علاوة على انها ستوفر فرص عمل وتشغل آلاف العاطلين، فالافلام الطويلة تحتاج لكوادر كبيرة".
ولفت الى ان "المشكلة هي أن الدولة العراقية غير مهتمة بالثقافة بصورة عامة. لا قيمة للمعارض والمهرجانات، بدون الإنتاج واستدامته للوصول الى العالمية".
لا اهتمام بالفن والثقافة
وعلى صعيد ذي صلة، قال الناقد والمؤرخ السينمائي، مهدي عباس ان "مدينة الانتاج الاعلامي او الفني، اصبحت ظاهرة عربية، فالكثير من الدول العربية بدأت تعمل على انشاء هذه المدن وآخرها المملكة العربية السعودية، التي باتت تهتم جدا بالانتاج السينمائي والفني والدرامي، وانشأت مدينة كاملة لهذا الغرض".
وتابع قائلاً لـ"طريق الشعب"، "نتمنى وجود مثل هذا المشروع، ولكن المشكلة هي ان الدولة لا تهتم بالفن والسينما؛ فمنذ عامين ونحن ننتظر منحة سينمائية كأنها منّة علينا".
واكد الناقد، ان هناك تهميشا متعمدا، فالمال متوفر، وتُصرف المليارات اليوم في مختلف المجالات، ولكن ليس هناك اهتمام بالثقافة. ان اغلب الزعامات السياسية لم يتعلموا الاهتمام بالسينما".
وحدد عيسى مجموعة من الفجوات التي يعاني منها قطاع السينما في العراق قائلا: ان "اهم ما نعاني منه هو التوقف المريب وغياب الاستمرارية في الانتاج، اضافة لعدم وجود شباك تذاكر واختفاء الجمهور العراقي، نتيجة ضعف الدعاية وطبيعة الجمهور الذي لا يُحب هذه الافلام النخبوية، والاهم هو اننا بلا قطاع خاص".
وخلص الى القول ان "السينما هي اكثر الفنون شعبية، وهي بوابة و رسالة اجتماعية و دينية وحتى في بعض الاحيان سياسية. الدولة التي لا تعرف قيمة السينما، تخسر الكثير، ولعل هذا يتجلى بوضوح، في قيام وزيرة الاتصالات بحجب اهم موقع سينمائي بالعالم وهو (imdb) الذي يتابعه كل العالم، فهل نترجى بعد هذا صناعة ودعم سينما؟".