مع تصاعد التحديات الاقتصادية في العراق، حذرت وكالة "فيتش" للتصنيف الائتماني من اتساع عجز الموازنة إلى مستويات مقلقة، متوقعة أن يصل إلى 8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2024، مقارنة بـ2 في المائة في العام السابق مع استمرار الارتفاع ليبلغ متوسط 12.4% خلال الفترة 2025-2026.
ووسط هذه التوقعات، رجحت الوكالة أيضًا ارتفاع نسبة الدين الحكومي إلى الناتج المحلي الإجمالي، لتصل إلى 47.7 في المائة في نهاية 2024، ومن ثم إلى 56.5 في المائة بحلول عام 2026، نتيجة اعتماد الحكومة المتزايد على الاقتراض لتمويل العجز المتزايد.
هذه المؤشرات الخطرة تدق ناقوس الخطر على المدى البعيد، في ظل غياب الإصلاحات الاقتصادية الحقيقية. بينما يؤكد خبراء الاقتصاد، أن السبيل الوحيد لتخفيف هذا الضغط يكمن في تنويع الاقتصاد العراقي، وتنشيط القطاعات غير النفطية، بما يضمن تخفيف الإنفاق الحكومي وتقليص العجز المزمن.
60 مليار دولار
وقال المستشار المالي لرئيس الوزراء، د. مظهر محمد صالح، انه في مثل هذه الحالات، يتم اللجوء عادةً الى ان تتضمن الموازنات خططا بالتعزيز المالي، حيث يأخذ العجز سنوياً مسار التقليص، بشكل لا يزيد على الديون، إضافة الى خفض الديون المتراكمة، عبر تصفيتها.
وأضاف لـ"طريق الشعب"، ان هذا التصميم "يحتاج لخطة تعزيز مالي، ونوع من التقشف وتقليل النفقات، ولكن هذا صعب بما يخص العراق الان"، مبينا ان الصعوبة تكمن في ان هناك "ضغوطا ونفقات معظمها تشغيلية واجتماعية في الموازنة، ويصعب التراجع عنها، وفي حالة عدم القدرة على الإنفاق نلجأ للاقتراض، ومعظم الاقتراض يكون داخلي، وهذا هو سبب ارتفاع حجمه".
وأوضح، ان حجم الدين الداخلي يبلغ 60 مليار دولار، بينما الخارجي حوالي 9 مليارات دولار.
وواصل القول: انه في الوقت الحالي هناك "تدفقات للدولة تعرف بالحيز المالي في المالية العامة، عبر واردات النفط وإيرادات أخرى بشكل مستمر"، منوهاً الى ان "القدرة على الإنفاق ليس شرطاً ان تكون دائماً 100 في المائة، أي ان الدولة يمكن ان تنفق باستمرار وحين تحتاج يمكنها الاقتراض".
وأشار إلى ان "معظم الاقتراضات الداخلية تتم داخل الجهاز المصرفي الحكومي وليس من خلال السوق، بينما الحيز المالي للدولة مرتفع"، لافتاً إلى انه في ظل ارتفاع الحيز المالي "فالعجز لا يدعو للقلق، لان كل الديون الداخلية والخارجية في الوقت الحاضر لا تشكل سوى 35 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للعراق".
وخلص إلى القول، "إننا حتى الآن ظل النطاق الآمن للديون، طالما ان الديون الداخلية والخارجية بمجموعها لا تتعدى 60 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وبالتالي فان الوضع مطمئن. وفي تقديري جيد جدا والحيز المالي عال".
ما الحلول؟
من جهته، اوضح المختص في الشأن المالي والمصرفي، مصطفى حنتوش ان "تصنيف الوكالة الحالي (-B) لا يخص التقييم المصرفي، وانما تقييم الوضع المالي وموازنة الدولة وكمية المخاطر فيها"، مشيراً الى ان التصنيف "يتحدث عن ان العراق لديه مشكلتان: العجز في الموازنة والمديونية".
وذكر حنتوش لـ"طريق الشعب"، انه في العراق "لا ينفذ إجمالي العجز المخطط له في الموازنة، إنما يغطى جزء منه عبر الفرق بين الإيرادات المتوقعة والنفقات المخططة في الموازنة العامة للدولة"، مبينا ان "حجم العجز وصل إلى (64) ترليون دينار، بينما بلغ حجم الناتج القومي 300 ترليون دينار".
وتابع قائلاً: "لو أن عجز الموازنة نفذ كما مخطط له، فهذا يعني ان نسبته تصبح قرابة ٢٠ـ ٢١ في المائة"، مبينا أن معالجته مرهونة بتنويع الاقتصاد، عبر تفعيل واستغلال القدرات الاقتصادية المتمثلة بقطاع الزراعة والصناعة والسياحة.
وأردف بالقول ان تنشيط هذه القطاعات يؤدي الى سحب البطالة، وبالتالي خفض حجم التعيينات وتخفيف ضغط النفقات التشغيلية على موازنة الدولة.
وبالنسبة للدين العام، أوضح حنتوش ان "نسبة 80 في المائة منه هو دين داخلي: بين المصارف الحكومية مع بعض الصناديق الحكومية، وبالنتيجة هذا لا يشكل خطرا. أما الدين الخارجي فنسبته بسيطة".
وخلص الى القول ان "وضع الدين العراقي جيد. ولا يوجد أي خطر. وفي ما يخص عجز الموازنة العامة، فإننا نحتاج لمعالجات اقتصادية".