برغم رفع اسم العراق من قائمة الدول ذات المخاطر العالية في مجال مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، التابعة للاتحاد الأوروبي، إلا ان التحديات في هذا الملف لا تزال قائمة. فيما لا يزال مكتب مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب في البنك المركزي العراقي، بحاجة إلى جهود وتقنيات أكبر لتقويض تلك الجرائم وتطويره عمله.
ضرورة الفهم الدقيق
في هذا الشأن، قال الباحث والمختص في الجانب المالي والمصرفي، مصطفى حنتوش، إن "مكافحة غسل الأموال تتطلب فهماً دقيقاً، فهي عملية مالية ومصرفية لها معادلات متضاربة، وتحتاج إلى معادلات متوازنة للتعامل مع طبيعتها المعقدة".
وأضاف حنتوش في حديث مع "طريق الشعب"، أنّ "مكافحة غسل الأموال لا تعني بالضرورة كشف الجريمة الأصلية، بل تتعلق بتشخيص الأموال ذات المصادر المجهولة، ما قد يجعل تحديد الأسباب أمراً صعباً ويحولها إلى تهمة عامة".
وأشار إلى وجود نوعين من غسل الأموال: "الأول، خارجي/ ضياع تام. ويعد النوع الأسوأ، حيث يتم فيه تحويل الأموال إلى خارج البلاد. أما النوع الثاني فهو داخلي/ ضياع مؤقت، حيث يكون أقل خطراً، وتكون القيود عليه اقل؛ إذ يمكن استعادة الأموال في حال تم كشف الجرائم الأساسية المرتبطة بها".
وأوضح، أنّ الاتهامات المرتبطة بمكافحة غسل الأموال قد تشمل المزيد من الأعمال دون وجه حق، إذا لم ترتكز وتبن على أسس مالية وسوقية واضحة، مردفا أن "نجاح مكافحة هذه الأموال يعتمد على إقامة علاقات مالية ومصرفية محلية ودولية، تسمح بتتبع الأموال دون التسبب بذعر قد يؤدي لهروب الاستثمارات، سواء كانت مصادر الأموال آمنة أم غير آمنة".
وحدة استخبارات مالية مستقلة
يقول أستاذ الاقتصاد الدولي نوار السعدي، ان هناك إخفاقات في ملف مكافحة غسل الأموال في العراق، متسائلاً عن أسباب عدم تأسيس وحدة استخبارات مالية مستقلة في العراق حتى الان؟
ويضيف السعدي في حديث خص به "طريق الشعب"، أنه برغم وجود مكتب مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب ضمن هيكل البنك المركزي العراقي منذ العام 2007، إلا أن هذا المكتب يواجه نقصاً في الموارد وغياب الدعم الكافي والتنسيق مع الوكالات الأخرى، ما يقيد قدرته على مواجهة جرائم غسل الأموال بشكل فعّال، خاصة في ظل التحديات المتعلقة بتهريب العملة واستغلال الشركات الأمنية كمنافذ للتمويل غير المشروع.
ويقترح "تأسيس وحدة استخبارات مالية مستقلة"، لأن ذلك "يمكن أن يلعب دوراً حاسماً في توحيد جهود المؤسسات المختلفة لتعقّب الجرائم المالية المرتبطة بتهريب العملة وتمويل الإرهاب، وتحقيق تكامل بين عمليات التحليل الاستخباراتي والمعلومات المالية".
ويجد ان هذه الوحدة يمكن أن تعزز قدرة العراق على التعاون الدولي، خاصة مع منظمات تدعم تبادل المعلومات بين وحدات الاستخبارات المالية حول العالم، وتسهم في تعزيز الرقابة على النظام المصرفي والتصدي لتهريب الأموال وتمويل الإرهاب عبر الشركات الأمنية وقنوات أخرى.
ويشير إلى أنّه "من الناحية الأمنية، فإن ترك مهام مراقبة المافيات المالية ضمن اختصاصات قيادات عسكرية متخصصة بمكافحة الإرهاب والجريمة الجنائية يشكل تحدياً؛ حيث إن الجرائم المالية تتطلب منهجية تشمل التحليل المالي والتحقيق في الحوالات والأصول. بينما تركز الجرائم الجنائية والإرهابية على أساليب تتعلق بالاعتقال الفوري وردع الأنشطة العنيفة".
ويوضح، أنه "من منظور اقتصادي ومالي، تختلف الجرائم المالية عن الجرائم الإرهابية بشكل جذري؛ فالأولى تهدف إلى تمويه وتحويل الأموال غير المشروعة إلى أموال شرعية باستخدام قنوات اقتصادية مشروعة، بينما تركز الجرائم الإرهابية على تحقيق أهداف سياسية من خلال الترهيب. الفصل بين هذين النوعين من الجرائم سيمكّن العراق من بناء منظومة رقابية فعّالة تتلاءم مع طبيعة كل نوع من الجرائم، وتساعد في حماية الاقتصاد العراقي من تحديات غسل الأموال وتمويل الإرهاب".
ويختتم السعدي حديثه قائلاً: إن "التكامل الأفضل بين المؤسسات ووحدات الاستخبارات المالية المستقلة سيعزز قدرة العراق على الحد من الجرائم المالية، وزيادة الشفافية، وتعزيز مكانته ضمن النظام الاقتصادي الدولي، ما يعد خطوة ضرورية للنهوض بالاقتصاد الوطني واستعادة الثقة في النظام المالي الداخلي".
الفريق العراقي يلاحق الأموال المغسولة؟
سعيد ياسين، يقول ان مكتب مكافحة غسل الأموال يضم أطرافا كثيرة مثل وزارتي الداخلية والخارجية والمخابرات والامن الوطني، والعديد من الجهات ذات العلاقة في البنك المركزي وغيره.
ويضيف قائلاً لـ"طريق الشعب"، ان "الفريق العراقي متكامل، فهناك عمليات داخلية وخارجية وتعاملات مالية، يعنى بمتابعة كل ذلك وزارة المالية والبنك المركزي وجهاز الامن الوطني وجهاز المخابرات اضافة للقضاء. وهذا الفريق موجود ويعمل".
ولا يؤيد ياسين طرح السعدي بـ"تأسيس وحدة استخبارات مستقلة"، معتبرا ذلك "ترهلا اداريا جديدا".
ويؤكد "اننا بحاجة الى ان يتم تبسيط العملية، لا ان تكون هناك تعقيدات، مع ضرورة ان تتواجد الجهات الفاعلة في هذه الوحدة، ويتم وضع استراتيجية من قبل المصارف والبنك المركزي وديوان الرقابة المالية والامن الوطني وجهاز المخابرات والسلطة القضائية، لملاحقة الأموال المهربة والمغسولة".