لا تزال رائحة الكبريت الخانقة تؤرق أهالي بغداد في الكثير من المناطق داخل العاصمة وفي أطرافها، مخلّفة الكثير من التداعيات الصحية، بينما تتراشق الأطراف الحكومية، الاتهامات من دون أن تضع حدا لها.
ويحمّل بيئيون المؤسسات الحكومية وأجهزة الدولة مسؤولية التقصير في عدم معالجة هذه المشكلة البيئية.
الأسباب الحقيقية
وكشف وكيل وزارة البيئة جاسم الفلاحي، عن الأسباب التي تقف وراء انتشار رائحة الكبريت في العراق، مشيرا إلى زيادة تركيزات الانبعاثات الغازية الضارة من الأنشطة التي تعتمد على الوقود الثقيل، مثل النفط الأسود.
وقال الفلاحي، إنّ "نوعية الوقود المستخدم حاليًا سيئة، ما يسهم في ارتفاع معدلات الانبعاثات الضارة، وأبرزها غاز ثاني أكسيد الكبريت والمركبات الهيدروكربونية الثقيلة"، موضحاً أن استخدام النفط الأسود في محطات توليد الطاقة الكهربائية ومعامل الطابوق، بالإضافة إلى حرق النفايات ليلا لاستخراج المعادن مثل الألمنيوم، يزيد من تفاقم المشكلة.
وأكد الفلاحي، أن حرق النفايات من مسؤولية الدوائر البلدية والقوات الأمنية التي تسيطر على المناطق، حيث يتسلل بعض الأشخاص ليلًا للقيام بعمليات الحرق غير القانوني. كما أوضح أن هذه الانبعاثات الغازية الثقيلة تتفاقم بسبب التغيرات المناخية واتجاه الرياح وزيادة الرطوبة، خاصة في الليل والصباح، ما يؤدي إلى تراكم الضباب والغيوم، بالإضافة إلى الروائح الكريهة التي لاحظها سكان بغداد مؤخرًا.
وأشار إلى أن هذه القضية تمثل عبئًا كبيرًا على صحة المواطنين، خصوصًا الأشخاص الذين يعانون من أمراض الجهاز التنفسي مثل الربو والحساسية.
وأكد، أن "الوزارة وضعت قاعدة بيانات حول الأنشطة الملوثة ونوعية الانبعاثات، بالإضافة إلى الإجراءات القانونية المتخذة"، مبينا أن "الوزارة ترفع تقارير شهرية وفصلية وسنوية، ويتم إصدار وثيقة سنوية باسم (حالة البيئة في العراق)، يتم من خلالها تشخيص نقاط الضعف والتأثيرات المناخية"، مبينا أن "تحسين البنية التحتية للصناعات والطاقة في العراق يحتاج إلى دعم حكومي أكبر".
وفي ختام حديثه، أكد الفلاحي أن "معالجة هذه الظاهرة تتطلب وقف الأنشطة الملوثة"، مشيرًا إلى أن "الوزارة تعمل بالتعاون مع البرلمان، ديوان الرقابة المالية، وهيئة النزاهة من اجل انفاذ تعليماتها. كما لجأت إلى رئيس مجلس القضاء الأعلى لدعم جهودها في تطبيق القانون.
الحكومة تتحمل المسؤولية
من جانبه، أكد عضو لجنة الصحة النيابية باسم الغرابي، أن الجهات الحكومية تتحمل المسؤولية الأولى عن التلوث البيئي في العراق، حيث سجلت العاصمة بغداد تلوثا في هوائها بنسبة تصل إلى 70 في المائة.
وقال الغرابي، أن الحكومة لم تتخذ خطوات فعالة لمعالجة مشكلة التلوث، موضحًا أن الإحصائيات تشير إلى وجود تلوث في الهواء والماء والتربة دون وجود أية معالجات مناسبة.
وأضاف، أن وزارة البيئة تفتقر للإمكانات الفنية والصلاحيات القانونية اللازمة لمواجهة هذا الملف الحرج، مشيرا الى ان بغداد تحتوي على 18 محطة معالجة صممت لخدمة 3 ملايين نسمة، بينما يبلغ عدد سكان العاصمة حاليًا حوالي 11 مليون.
وانتقد الغرابي خطط نقل مصفى الدورة إلى خارج العاصمة، مؤكدًا أن إدخال تقنيات حديثة، هو الحل الأمثل لتقليل المخلفات الملوثة.
وأوضح، أن العراق بحاجة إلى زراعة 15 مليون شجرة كجزء من استراتيجية التعامل مع آثار التغير المناخي، داعيًا الحكومة إلى اتخاذ خطوات جادة لتحسين الوضع البيئي، بما في ذلك تعزيز التعاون مع الشركات الأوروبية في مجال معالجة مياه الصرف الصحي.
وشدد الغرابي على أن هناك حاجة ملحة لتطوير المنظومة القانونية التي تدعم جهود وزارة البيئة، معتبرًا أن عدم توفر الموارد المالية يمثل عائقًا كبيرًا أمام معالجة قضايا البيئة والصحة في البلاد.
موعد تبدد الرائحة
بدوره، حدد الخبير البيئي والجيولوجي أحمد صالح نعمة موعد انتهاء رائحة الكبريت في الأجواء، مبينًا أن الرائحة ستزول مع انتهاء فترة الانقلاب الحراري الحالية.
وأوضح نعمة، أن هذه "الفترة التي تقع بين الخريف والشتاء، تشهد تمركز الانبعاثات الغازية بالقرب من سطح الأرض بسبب عدم صعودها إلى الغلاف الجوي، مما يؤدي إلى استنشاق المواطنين لهذه الغازات الضارة"، موضحًا أن "الرائحة ستزول بعد انتهاء هذه الفترة".
وأشار إلى أن "هذه الغازات تشكل خطرًا كبيرًا على الجهاز التنفسي وعلى النظام البيئي بشكل عام"، مؤكدا أن "التلوث لا يقتصر على انبعاثات الكبريت، بل يشمل عدة غازات أخرى ناتجة عن استخدام الوقود عالي الكبريت والوقود السيئ".
وبرغم أن نعمة لا يرى خطرًا كبيرًا على المدى القصير، بسبب تغير اتجاهات الرياح في فترة الانقلاب الحراري، إلا أنه حذر من "التأثيرات السلبية لهذه الغازات على المدى الطويل"، داعيًا إلى "ضرورة التخلص منها لتجنب أضرار مستقبلية".