مع استمرار التوترات السياسية المتصاعدة في المنطقة، وتأثيرها على الاقتصاد العراقي، يشهد سعر الدولار ارتفاعًا ملحوظا أمام الدينار العراقي، وسط تحذيرات من تداعيات محتملة على الأوضاع الاقتصادية في البلاد.
وسجلت أسعار صرف الدولار الأمريكي إزاء الدينار العراقي، ارتفاعا ملحوظا خلال الأيام الماضية، حيث بلغ سعر بيع الدولار في محال الصيرفة في بغداد يوم أمس 154250 دينارا لكل 100 دولار.
دراسة السوق الموازي
وأكد مصطفى حنتوش، الباحث والمختص في الشأن المالي والمصرفي، أن السوق الموازي في العراق يحتاج إلى دراسة دقيقة لفهم أسباب تذبذبه، مؤشرا وجود عدة عوامل رئيسية تسهم في هذا التذبذب، منها التجارة الضخمة مع إيران وسوريا، بالإضافة إلى حركة الملايين من المسافرين بين العراق وهذين البلدين.
وأوضح حنتوش، أن هناك العديد من التجار الصغار لا يمتلكون شركات أو إجازات استيراد، ما يعزز من عدم قدرة السوق الرسمي على تغطية هذه الأنشطة. ونتيجة لذلك، فإن هذا الوضع يؤدي إلى تذبذب مستمر في أسعار الصرف.
وأشار حنتوش إلى المخاوف من نشوب حروب في المنطقة، الامر الذي دفع التجار والأسواق والمواطنين إلى زيادة الكميات المستوردة والمشتراة، إضافة إلى ادخار الدولار كإجراء احترازي.
وأكد حنتوش عدم وجود مشاكل في سلاسل الإمداد العراقية من بعض الدول مثل تركيا وكندا وأستراليا والصين والهند، مشددًا على أن الوضع المالي في العراق لا يواجه مخاوف حقيقية بشأن سيولة الدولار.
ودعا إلى ضرورة اتخاذ إجراءات واضحة ومستمرة لفهم وتحليل هذه الظواهر الاقتصادية، لضمان استقرار السوق المحلي.
أسباب أخرى معززة
من جانبه، عزا الخبير الاقتصادي عبد الرحمن المشهداني الارتفاع المفاجئ في سعر الدولار إلى أسباب سياسية بحتة، مؤكدًا أن الأمر لا يتعلق بالعوامل الاقتصادية. فالبنك المركزي العراقي، وفقًا للمشهداني، يستمر في تلبية طلبات التحويل الخارجي بمبيعات تفوق 270 مليون دولار يوميًا.
وأوضح المشهداني، أن "الارتفاع جاء نتيجة حالة القلق السياسي التي تعيشها المنطقة، خاصة بعد اغتيال الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، والرد الإيراني الذي أعقب ذلك، بالإضافة إلى الحرب في لبنان والخوف من تأثيرها على العراق. هذه العوامل دفعت المواطنين إلى شراء الدولار خوفًا من امتداد النزاع إلى العراق أو تعرضه لهجمات مشابهة لتلك التي تحدث في لبنان".
وأشار إلى أن "التجار يشترون الدولار بشكل طبيعي لتسديد التزاماتهم الخارجية أو الداخلية، وأن هذا الوضع قد تصاعد في الأيام الأخيرة بفعل التوترات السياسية. كما أن وصول عدد من النازحين اللبنانيين إلى العراق ربما يكون له تأثير محدود على الطلب على الدولار، إلا أن السبب الرئيس يبقى سياسيًا، خاصة مع ارتفاع أسعار النفط، الذي يعد مؤشرًا إيجابيًا في هذا السياق".
وفيما يتعلق بارتفاع أسعار النفط بعد التحذير الأمريكي من الرد الإيراني، أكد المشهداني أن "التوترات السياسية في الشرق الأوسط قد تتصاعد إذا وجهت إسرائيل ضربة للمفاعلات النووية الإيرانية، وهو ما قد يستدعي ردًا إيرانيًا".
وأضاف أن "تأثير العوامل السياسية على أسعار النفط غالبًا ما يكون مؤقتًا، إلا أن الأمور قد تتدهور إلى حرب إقليمية تؤدي إلى إغلاق مضيق هرمز، ما قد يرفع أسعار النفط إلى 200 دولار للبرميل بسبب توقف أو انخفاض صادرات النفط من المنطقة".
واختتم المشهداني حديثه بالتأكيد على أن "الدول الكبرى المستهلكة للنفط، مثل الولايات المتحدة وأوروبا، لن تسمح بتفاقم التوترات إلى درجة تؤثر بشكل كبير على أسعار النفط عالميًا".
توقعات باستمرار الارتفاع
بدوره، أكد رئيس منظمة العراق للتنمية الاقتصادية منار العبيدي، أن ارتفاع أسعار الدولار أمام الدينار العراقي، والذي بلغ خلال الأيام الماضية 1550 دينارًا لكل دولار أمريكي، يعود إلى عدة عوامل اقتصادية.
وأوضح أن "تراجع تحويلات العملات الأجنبية الأخرى، مثل الدرهم الإماراتي واليوان الصيني، بسبب القيود الصارمة التي تفرضها البنوك المراسلة لتعزيز أرصدة هذه العملات، أدى إلى تفاقم الوضع".
وأشار إلى "تحفظ البنوك المشاركة في مشروع (Citi-Pilot) على فتح الحسابات للشركات، حيث اقتصرت على التعامل مع شركات محددة، ما حدّ من قدرة السوق على تغطية الطلب على النقد الأجنبي".
وبيّن أن "آليات التحويل المالي الحالية غير قادرة على تلبية الطلب المتزايد لغرض الاستيراد، لا سيما في قطاع الهواتف النقالة والذهب، وهما من أعلى السلع المستوردة من حيث القيمة، مما يدفع المستوردين إلى اللجوء إلى السوق الموازي".
وأعرب رئيس المنظمة عن "توقعه استمرار انخفاض قيمة الدينار أمام الدولار خلال الأشهر القادمة، وربما وصوله إلى 1600 دينار لكل دولار إذا لم تُتخذ خطوات عملية لمعالجة الأزمة".
وقدم جملة من الحلول المقترحة، منها: توسيع شبكة البنوك المراسلة، خاصة في الإمارات والصين، والتحكم في السياسة المالية عبر الحد من استيراد بعض السلع لتقليل الطلب، الضغط على البنوك المشاركة في مشروع (Citi-Pilot) لتوسيع قاعدة عملائها، وفرض حظر مؤقت على استيراد بعض السلع لتخفيف الطلب على العملات الأجنبية". وحذر من أن "استمرار غياب هذه الحلول سيؤدي إلى تدهور أكبر في سعر الدينار، متوقعًا تجاوز حاجز 1600 دينار قريبًا".