منذ عام 2003، تعاني أغلب المحافظات العراقية من تلكؤ في تنفيذ المشاريع، إذ كشفت وزارة التخطيط في وقت سابق عن وجود أكثر من 1000 مشروع متلكئ في مختلف القطاعات. هذا التأخير لا يقتصر على قطاع معين بل يمتد إلى مختلف المجالات، ما يبرز ضعف أداء الشركات المنفذة وانتشار الفساد المالي والإداري في مفاصل الدولة، وهو ما أدى إلى بروز ظاهرة المشاريع الوهمية، لا سيمت في القطاع الصحي.
مشاريع مستشفيات متلكئة
حالما تسير في شوارع العاصمة بغداد، ستلفت انتباهك المباني التي بقيت قيد الإنشاء لسنوات، والمستشفيات التي بدأت مراحل العمل فيها منذ فترة طويلة لكنها لم تكتمل بعد. يعزو مراقبون هذه الحالة إلى الفساد الكبير من قبل الشركات المنفذة، بالإضافة إلى المحاصصة وغياب الرقابة الجدية من قبل الجهات المسؤولة عن إحالة تلك المشاريع وتنفيذها.
رغم أن الحكومة الحالية وضعت معالجة مشاريع المستشفيات المتعثرة على رأس أولوياتها، إلا أن هذه المشاريع لا تزال تراوح مكانها. وتشمل المستشفيات المتعثرة مستشفيات الحسينية، الفضيلية، النهروان، والمعامل في بغداد، والتي لم تشهد أي تقدم ملحوظ رغم تشكيل لجنة وزارية قبل عامين لحل الأزمة.
في المقابل، ورغم تقدم العمل في مستشفيات أخرى مثل الشعب والحرية، فإنها لم تُفتتح بعد، رغم مرور سنوات طويلة على انتهاء الفترة الزمنية المحددة لإنجازها. وتعود هذه المشاريع إلى الفترة بين عامي 2011 و2013، إلا أن الحكومات المتعاقبة فشلت في إنجازها.
وأعرب أهالي مناطق النهروان، الحسينية، والمعامل عن استيائهم الشديد من تعثر هذه المشاريع. ففي النهروان، يضطر السكان لقطع مسافة 45 كيلومتراً للوصول إلى أقرب مستشفى، ما يؤدي إلى وفاة العديد من الحالات الحرجة قبل وصولها إلى المستشفى. أما في الحسينية، فلم ينجز المستشفى منذ وضع حجر الأساس له في عام 2013 على يد رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي.
وبعد تشكيل الحكومة الحالية، أعلنت عن تشكيل لجنة خاصة لمعالجة مشاريع المستشفيات المتلكئة، حيث أكد المتحدث باسم وزارة التخطيط، عبد الزهرة الهنداوي، أن لجنة الأمر الديواني رقم "45" تواصل جهودها لمعالجة المستشفيات المتلكئة، مشيراً إلى أن اللجنة قطعت شوطاً كبيراً في عملها خلال السنتين الماضيتين.
وقال الهنداوي إن "العمل مستمر، وتم رفع قرارات وتوصيات إلى مجلس الوزراء لمعالجة المعوقات التي تسببت بتوقف العمل في المشاريع الصحية".
وأضاف أن "عدداً كبيراً من المستشفيات المتعثرة قد تمت معالجتها ودخلت الخدمة بسعات سريرية مختلفة". كما أوضح أن اللجنة نجحت في إعادة العمل بأكثر من 70 مستشفى متلكئ، بالإضافة إلى الانتهاء من بناء مستشفيين جامعيين في بغداد ونينوى بسعة 100 سرير لكل منهما.
تأخر كبير
أوضح الناشط في مجال الصحة، د. علي أنور أن القطاع الصحي في العراق يعاني من تخلف كبير، لا سيما في ما يتعلق بمشاريع البنى التحتية للمستشفيات والمراكز الصحية.
وقال أنور، "الفساد المستشري في مؤسسات الدولة أدى إلى تعطيل العديد من المشاريع الحيوية، ما أثر بشكل مباشر على تقديم الخدمات الصحية للمواطنين".
وأضاف في حديث لـ "طريق الشعب"، "لدينا نقص كبير في عدد المستشفيات والمراكز التخصصية، بالإضافة إلى قلة الأجهزة الطبية، وهو ما يجعل القطاع الصحي غير قادر على تلبية احتياجات السكان".
وبين أنور: "لا توجد مدينة في العراق يمكن القول إنها مكتفية بالسعة السريرية في مستشفياتها. على سبيل المثال، هناك مدن يصل عدد سكانها إلى 600 ألف نسمة، ولكن مستشفياتها لا تتجاوز سعتها 200 إلى 250 سريراً"، مؤكدا ان "هذا النقص الحاد في السعة السريرية يؤدي إلى تأخر تقديم الخدمات الطبية، ويزيد من تفاقم الوضع الصحي في البلاد."
وأكد، أن "السبب الرئيس وراء هذا التدهور يعود إلى الفساد الذي يعيق تنفيذ المشاريع الصحية وتأهيل البنية التحتية"، مشيراً إلى أن "المشاريع الصحية، سواء من حيث الإنشاء أم التجهيز، لا تسير بالوتيرة المطلوبة بسبب سوء الإدارة وغياب المحاسبة".
وتابع بالقول: انه "رغم صرف العديد من المبالغ الطائلة خلال السنوات الماضية، الا ان القطاع الصحي يتجه نحو الأسوأ"، وأشار إلى ان وجود شبهات فساد تطال عقود شراء الأدوية والمستلزمات الطبية، في حين لا يجد المريض في المستشفيات الحكومية كافة متطلبات العلاج.
مشاريع تفتقد الجودة
وكشف مصدر حكومي مطلع، عن الأسباب الرئيسة التي تعيق تنفيذ المشاريع، مشيرا إلى عدة جوانب تؤثر بشكل مباشر على تلك المشاريع.
وأوضح، أن الفساد والمحاصصة السياسية يعدان من أبرز العوامل التي تقف عائقًا أمام تنفيذ مشاريع الإعمار، حيث تُوزع المشاريع بناءً على المحاصصة السياسية، مع حصول المسؤولين على نسب مالية من تلك المشاريع، ما يؤدي إلى عدم اختيار الشركات الكفوءة لإنجاز الأعمال المطلوبة.
وأضاف لـ "طريق الشعب"، أن "قلة دقة الكشوفات الفنية وتكرارها تسهم أيضًا في تعثر تنفيذ المشاريع"، مؤكدا ان "هناك مشاريع كبيرة متوقفة منذ سنوات، مثل المدن الرياضية والمستشفيات ولم تُنجز رغم وضع الحجر الأساس لها منذ 13 عاما".
وأشار أيضًا إلى أن الصراعات على نسب الكوميشنات بين الجهات المتعاقدة تعرقل تنفيذ المشاريع، حيث تتفاوت النسب المطلوبة بين 5 الى 15 في المائة. كما تطرق إلى مشكلات تتعلق بتمويل المشاريع وتأخر إقرار الموازنات العامة.
واختتم حديثه بالتأكيد على أن "المحاصصة ليست بهدف تحسين الخدمات، بل لتحقيق مكاسب مادية وزيادة عدد العقود والكوميشنات"، مشيرًا إلى أن الحل يكمن في التخطيط السليم واختيار الأشخاص الأكفاء لتنفيذ المشاريع بشكل صحيح.