بمجرد أن يلتقط رادار الحكومة إشعارا بأن الوضع المالي للدولة مهدد، نتيجة لتراجع أسعار النفط، حتى يبدأ صانع القرار الحكومي، بتحميل المواطنين، لاسيما الطبقات الفقيرة والمسحوقة تكلفة ذلك: مرة تقشف، وأخرى ورقة بيضاء، وثالثة حزم ضريبية، وغيرها من التدابير التي تحاول، أولا، حماية الطبقة السياسية من الانهيار.
تهديد
أثار الحديث عن توجه الحكومة لتعويض تراجع إيرادات النفط بفرض حزم ضريبية على مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي وصناع المحتوى، وعلى قطاعات أخرى، جدلا واسعا وانتقادات شعبية ساخرة.
وفي الوقت ذاته هناك مقترح بفرض ضرائب على الدخل الصافي للأطباء، إلى جانب مجموعة أخرى من الضرائب التي هي قيد الدراسة.
وباشرت الحكومة، مؤخرا، زيادة الضرائب من أجل تعظيم الإيرادات غير النفطية، فيما أكد مستشار لرئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني أن الحكومة "بدأت باعتماد منهج جديد للإصلاح الضريبي".
وقال مظهر محمد صالح، المستشار المالي لرئيس الوزراء، إن "الخطوة الأولى التي اتخذتها الحكومة في تعظيم الإيرادات غير النفطية بدأت باعتماد منهج جديد للإصلاح الضريبي".
وأضاف أنه تمت الموافقة على ثماني حزم إصلاح جديدة للنظام الضريبي من قبل مجلس الوزراء.
مستشار السوداني، ذكر أنه "تم إطلاق حزمتين من حزم الإصلاح الضريبي وستطلق بقية الحزم الباقية بالتتابع والتدريج ضمن سياسة الحكومة الإصلاحية في المجال المالي وتعظيم موارد الدولة من مصادر الدخل والثروة من خارج القطاع النفطي".
وكان السوداني، قال في اجتماع للّجنة العليا للإصلاح الضريبي، يوم 22 آب 2024، إنه منذ بداية العام الجاري وحتى بداية آب ارتفعت الإيرادات الضريبية بنسبة 22% مقارنة بنفس الفترة العام الماضي.
وأعلنت الهيئة العامة للضرائب في العراق أن هناك توجها لفرض ضرائب بنسبة 15 بالمئة على مواقع التواصل الاجتماعي في البلد بالنسبة لصناع المحتوى. وبحسب رئيس الهيئة علي علاوي فانه سيشمل اعلانات التيكتوكرز، والبلوغرز، واليوتيوبرز، وبعض المشاهير الذين لديهم متابعين، مبينا ان "الهيئة الآن تبحث آلية لتطبيق هذه الضرائب مقارنة مع دول مجاورة".
محاولة لتعزيز الإيراد
وفي هذا الصدد، قال الخبير الاقتصادي نبيل المرسومي، إن هذا الإجراء الحكومي جاء لتعويض تراجع الإيرادات النفطية، كما تدرس الحكومة فرض ضرائب على دخل الأطباء وإجراءات ضريبية أخرى، تحسباً لاستمرار انخفاض أسعار النفط لفترة طويلة.
وأضاف أن "الحكومة العراقية تسعى لتعزيز الإيرادات غير النفطية وتعويض الانخفاض الواضح في حجم الإيرادات النفطية، وتراجع حصة العراق التصديرية في أوبك"، مبيناً أن هذا الانخفاض "تزامن مع النفقات الكبيرة والعجز الحاصل في موازنة عام 2024".
وبحسب المرسومي، فإن "الهدف من هذه الإجراءات هو التحسب لما يمكن أن يكون عليه الحال في المستقبل، خاصة أن كل الدلائل تشير إلى أن انخفاض أسعار النفط قد يكون طويلاً"، لافتا الى ان "استمرار انخفاض النفط سيؤثر سلباً على الإيرادات النفطية والعامة ويزيد من عجز الموازنة".
وخلص إلى انه "ربما نشهد مزيداً من الإجراءات الحكومية لرفع مستوى الإيرادات غير النفطية إلى 27 تريليون دينار، لكن حتى تموز، المتحقق منها هو فقط 8 تريليون دينار".
تساؤلات عدة
ويتساءل المختص بحوكمة امن وتكنلوجيا المعلومات، علي انور عن "الآليات التي ستتبع وكيفية معرفة حجم الدخول والسيطرة؟ كيف ستعرف الجهات المعنية حجم الدخل الوارد للفرد من المستشفى، مثلا، لكي تفرض عليه ضريبة دخل؟ او كيف سيُعرف دخل صانع المحتوى في وسائل التواصل الاجتماعي، حيث تكون التعاملات والتعاقدات شفهياً بدون أوراق أو وصولات، وهو تعامل شخصي وليس مع شركة؟".
ويقول أنور لـ"طريق الشعب"، ان "المشكلة تكمن في الأدوات، ومن سيراقب وسيحاسب، وماذا سيحدث اذا لم يحاسب الفرد. وكيف ستستحصل الضريبة. كل ذلك غير واضح ولم توضحه الجهات المعنية حتى الآن".
ويضيف، انه "مع وضع الشركات تفرض الضريبة حسب نوع العمل وهناك ضريبة دخل وأخرى خاصة بالمشتريات وغيرها"، مستفهما عن الضرائب التي تعتزم الحكومة فرضها على صناع المحتوى، في أي خانة ستضعها هم أشخاص، لا يمتلكون شركة أو كيان، وتفاصيل التعاطي معه هنا مبهمة".
ونوه إلى أن هذا الخلل سببه "التخلف في مجال الحوكمة والقطاع المصرفي وغيرها؛ نتحدث عن قطاع كامل غير مسيطر عليه، وهذا ما يتركنا أمام تساؤلات عديدة حول الآليات التي ستتبع في فرض واستحصال هذه الضرائب".
نتائج سلبية
الى ذلك، قال الخبير الاقتصادي صالح الهماشي، قال انه "ليس بالضرورة ان تؤدي زيادة الضرائب الى تقوية مالية الدولة، بل على العكس، ربما تؤدي زيادة الضرائب الى انخفاض الإيرادات، لأنها قد تقلل نسبة الاستهلاك، فتتوقف كثير من الأعمال".
وذكر الهماشي في حديث مع "طريق الشعب"، ان "اي ضريبة تفرضها الدولة في العراق، تعتقد انها ستزيد من ايراداتها، لكنها يحتمل ان تنعكس سلباً عليها، كما حدث مثلاً في قانون غرامات المرور".
وبيّن، انه في جميع بلدان العالم، تكون هناك خدمات مقابل دفع الضرائب، لكن في العراق يدفع المواطن الضريبة، لكنه يقاسي ترديا كبيرا في القطاع الخدمي".
ودعا الخبير الاقتصادي إلى تجويد الخدمات والاهتمام بها، قبل اللجوء الى فرض الضرائب على المواطنين"، مبينا ان "نسبة البطالة تصل الى 40 في المائة. بينما يتجاوز خط الفقر حاجز الـ 17 في المائة".
وخلص الهماشي الى القول "كان الأجدر بالحكومة ان تلجأ إلى حلول أخرى: رفع الفائدة لصالح الودائع، تقديم وتسهيلات خدمات مصرفية مشجعة، تطوير النظام المصرفي، وإعادة ثقة المواطن بالمصارف العراقية"، معتبراً أن "البحث عن تعظيم الموارد والسيولة من خلال فرض الضرائب على التواصل الاجتماعي وبعض المهن وغيرها، يشكل خطأ فادحا أوقعت الحكومة نفسها فيه، حيث ستكون عواقبه وخيمة على المستوى الاقتصادي والمالي، وربما حتى على المستوى الاجتماعي والسياسي".
ويقدر قانون موازنة 2024 الإيرادات بـ 147 تريليونا 836 مليار دينار؛ وبلغت الإيرادات النفطية 120 تريليونا و496 مليار دينار (81.5%) والإيرادات غير النفطية 27 تريليونا و340 مليار دينار (18.49%).
وارتفعت الإيرادات غير النفطية العام الماضي من 17.3 تريليون دينار إلى 27.3 تريليون دينار هذا العام، بزيادة قدرها 10 تريليونات دينار.