تحيط الأجواءَ العراقية الكثيرُ من الملوثات، لكن غاز الميثان في العراق يعد اخطرها، وأبرز التحديات البيئية، في وقت تحتل فيه البلاد مراتب متقدمة عالمياً في انبعاثات هذا الغاز، وفقاً لتقارير حديثة.
ويُطلق العراق سنوياً نحو 17 مليون طن من الميثان.
ولا تقتصر هذه الانبعاثات على التأثير المناخي فحسب، بل تمثل تهديداً حقيقياً لصحة الإنسان، حيث تزيد من خطر الإصابة بأمراض الجهاز التنفسي والعصبي بنسبة تصل إلى 30 في المائة. بالإضافة إلى ذلك، إن الميثان يلحق ضرراً كبيراً بالزراعة، حيث يقلل من إنتاجية المحاصيل، ويؤدي إلى تدهور جودة التربة، ما يفاقم من أزمة الأمن الغذائي في البلاد.
أبرز مصادر الانبعاثات
في هذا الشأن، قال الأكاديمي والناشط البيئي د. شكري الحسن ان “انبعاثات غاز الميثان في العراق هي مشكلة بدأت تتفاقم في السنوات الاخيرة في العراق، خصوصاً بعد بدء جولات تراخيص الشركات النفطية في عام 2010”.
وأضاف قائلاً، ان “سماء البلاد شهدت ازديادا في كميات الميثان المتحررة الى الجو، نتيجة زيادة النشاط النفطي في العراق”، مبينا ان “أبرز مصادر هذه الانبعاثات عالمياً هو حرق الوقود الأحفوري، والمطامر الصحية ومزارع تربية الابقار والدواجن، حيث ان الانبعاثات من روث الحيوانات تسبب زيادة في تراكيز الميثان”.
ونوه الى ان “مصادر انبعاث غاز الميثان كثيرة، ولكن في العراق المصدر الابرز والرئيس والمؤثر، هو حرق الغاز المصاحب لعمليات الانتاج النفطي خصوصاً في المناطق الجنوبية وفي البصرة بشكل خاص، حيث تتمركز أكبر حقول النفط في هذه المنطقة”.
وتابع قائلا، ان “التقديرات تشير الى ان العراق يسهم بحوالي 9 في المائة من انبعاثات غاز الميثان في العالم، وهذه النسبة قد تكون نسبة كبيرة لبلد واحد منفرد”، مبيناً ان “اقمار الرصد الاصطناعي الفضائية سجلت اكبر سحابة لانبعاثات غاز الميثان في العراق خلال عام 2021، وقدرت في حينها بأكثر من سبعين طنا في الساعة. هذه كمية هائلة ومؤثرة في زيادة ظاهرة الاحتباس الحراري”.
وواصل القول ان “غاز الميثان بالرغم من انه غير سام، ولكنه مسبب رئيس للاحتباس الحراري بأكثر من حوالي 80 في المائة مما يسببه غاز ثنائي اوكسيد الكربون”، مشيراً الى انه “يؤثر بشكل غير مباشر على مفاصل الحياة الاخرى لما يسببه من اضرار على البيئة والمناخ والكائنات الحية والنشاطات البشرية والكثير من الظواهر البيئية كالجفاف والتصحر وغيرهما”.
واردف بالقول: ان “خفض انبعاثات غاز الميثان هو مسعى عالمي، خصوصاً انه يمكن الاستفادة منه في عملية تحويله الى طاقة حرارية وتوليد الطاقة الكهربائية”.
وفي ما يخص العراق وخفض الانبعاثات قال: “اننا نسمع عن توجهات حكومية نحو تخفيفها الى مستوى الصفر بحلول عام 2027 او 2028، ولكن حتى الآن ما زالت هذه المشكلة تعد تحدياً بيئياً خطيراً”.
أسباب الانبعاثات
من جهته، قال مدير شبكة البصرة لحماية وتحسين البيئة وبرنامج العدالة البيئية، فلاح الاميري، ان “غاز الميثان من الغازات الدفيئة القوية والملوثات المناخية قصيرة العمر، ويعتبر في المقام الاول ناتجا عن الانشطة البشرية بما فيها الانشطة الطبيعية الحيوية ونشاط الاستخراجات النفطية”، مبيناً أن غاز الميثان “يؤثر في التغيّر المناخي وله تأثيرات أيضا غير مباشرة على صحة الانسان وعلى الزراعة، وعلى مستوى الغطاء النباتي. كما انه مؤثر كبير على عملية الاحترار بنسبة 86 مرة، اكثر من ثاني اكسيد الكربون. وفي المحصلة كلما خفضنا نسبة انبعاث غاز الميثان قللنا نسبة الاحترار بالغلاف الجوي، وقلت نسبة التغير المناخي”.
وتابع قائلا لـ”طريق الشعب”، ان “النظر الى العراق باعتباره مشاركاً بالتغير المناخي مسألة طبيعية، كونه منتجا او مستخرجا للنفط مثل اي دولة نفطية أخرى”.
ولفت الاميري الى ان غاز الميثان يؤثر على الجهازين العصبي والهضمي وعلى الجهاز التنفسي وعلى معدل الحياة ويسهم بالتشوهات الخلقية بالجينات”.
مليارات منهوبة
الى ذلك، اوضح الخبير النفطي حمزة الجواهري، ان “المناطق القريبة من حرق الغاز تكون فيها نسبة غاز ثاني اوكسيد الكربون عالية وتسبب اختناقا. ومع هذا فأن شركات النفط ملزمة ان تقدم أموالا لترميم البيئة في المناطق التي تتعرض لحرق الغاز”.
وفيما يتعلق بالتزام الشركات النفطية اكد لـ”طريق الشعب”، ان “هذه الشركات ملتزمة بهذا الشرط في عقود جولات التراخيص، وتستقطع هذه الاموال سلفاً وتصرف الى المحافظة التي فيها حرق غاز”، مردفا “لكن القوى المتنفذة تسيطر على تلك الأموال، ولا نرى لها اي انعكاس على واقع الناس في المناطق النفطية”.