حدد البنك المركزي العراقي، اخيراً، موعد الغاء المنصة الإلكترونية للتحويلات الخارجية، التي بدأ العمل فيها مطلع عام 2023 كمرحلة أولى، لإعادة تنظيم التحويلات المالية، وتأمين الرقابة الاستباقية عليها بدلا من الرقابة اللاحقة من خلال قيام الاحتياطي الفيدرالي بتدقيق الحوالات اليومية.
ويتساءل مراقبون هل سيتمكن العراق من منع تهريب العملة الصعبة، وإيقاف عمليات غسل الأموال، في مرحلة ما بعد المنصة؟ وكيف ستكون انعكاسات ذلك على سعر الدولار في السوق السوداء بالمقارنة مع سعره الرسمي.
المركزي يكشف عن الآلية
وأفاد البنك المركزي العراقي في بيان بان "هذا الاجراء كان استثنائيا إذ لا يتولى الفيدرالي عادة القيام بذلك"، مشيرا الى انه يجري التخطيط بالتحول التدريجي نحو بناء علاقات مباشرة بين المصارف في العراق والبنوك الخارجية المراسلة والمعتمدة، من خلال شركة تدقيق دولية للقيام بالتدقيق المسبق على الحوالات قبل تنفيذها من قبل البنوك المراسلة". ونوه البيان بانه "خلال سنة 2024 وحتى الآن تم تحقيق ما نسبته 95 بالمئة من عملية التحويل من المنصة الإلكترونية إلى آلية البنوك المراسلة مباشرة بينها وبين المصارف العراقية، وذلك يعني أن المتبقي حوالي 5 بالمئة فقط منها داخل المنصة، والذي سينجز تحويله بذات الآلية قبل نهاية هذا العام وحسب الخطة". وأوضح، ان "التجارة مع الإمارات وتركيا والهند والصين تمثل حوالي 70% من تجار العراق الخارجية كــ(استيرادات)، وهو ما دعا البنك المركزي إلى ايجاد قنوات للتحويل بعملات اليورو، اليوان الصيني، الروبية الهندية، الدرهم الاماراتي، عبر بنوك مراسلة معتمدة في تلك البلدان". واكد ان هناك (13) مصرفاً عراقياً بدأت فعلاً إجراء عمليات التحويل مع آلية التدقيق المسبق، التي تم الاتفاق عليها وإقرارها بالإضافة إلى التحويلات بعملة الدولار، مع توفير قنوات للتحويل الشخصي للأغراض المشروعة والمشتريات الخارجية عبر قنوات الدفع الإلكتروني وشركات التحويل المالي العالمية والبيع النقدي للمسافرين، ودفع الدولار النقدي للحوالات الواردة للجهات والاغراض المحددة في تعليمات البنك المركزي المنشورة.
منصة فتر
وللإيضاح اكثر حول هذه الخطوة، قال الباحث والمختص في الجانب المالي والمصرفي مصطفى حنتوش: ان البنك المركزي في منصة فتر سيكون هو المراسل بينما المدقق هو شركة k2، مبينا أن "المنصة تسمح لجميع المصارف العراقية غير المعاقبة بالدخول اليها واجراء حوالات، وسيستمر عملها حتى نهاية سنة ٢٠٢٤، ما لم يُمدد".
وتابع قائلاً لـ"طريق الشعب"، ان "الغاء المنصة يعني بقاء الحوالات عن طريق المصارف التي تملك حسابات في citi bank احد اكبر المصارف في العالم او JPMorgan وهو بنك امريكي متعدد الجنسيات للخدمات المالية والمصرفية".
وزاد بالقول: ان "البنك المركزي سيبيع الدولار بشكل مباشر لبعض المصارف، كي تعزز رصيدها، وتعود لتبيعه على التجار العراقيين، وتدقق المصارف المراسلة"، مبينا ان "هذه الالية ستقتصر فقط على بعض المصارف الخاصة والمملوكة لجهات اجنبية، ومصرف الـ TPI".
وذكر حنتوش ان "البنك المركزي العراقي في اجتماعاته الأخيرة في مدينة نيويورك، كشف عن رغبته في اجراء عملية الحوالات بسلة عملات اخرى غير الدولار، عبر ١٣ مصرفا عراقيا غير معاقب".
واعتبر المتحدث ذلك "خطوة جيدة لتفعيل جزء من القطاع المصرفي العراقي"، لكنه رهن نجاحها بـ"تحقيق التنافس بين تلك المصارف".
28 مصرفا عراقيا معاقبا
وأشار الى ان 70 في المائة من النظام المصرفي مقيد (28 مصرفا)، الامر الذي اضطر البنك المركزي العراقي الى التعاقد مع شركة أوليفر وايمان ـ وهي شركة عالمية تابعة لمجموعة شركات "مارش أند مكلينان" العالمية والمدرجة في "بورصة نيويورك" تختص بالخدمات الاستشارية، وتركز أنشطتها على قطاعات الخدمات المالية، والطيران، والاتصالات السلكية واللاسلكية، والنقل، والطاقة، والقطاع العام ـ وذلك لدراسة النظام المصرفي العراقي وتقديم تقرير خلال مدة ( 3 - 6 ) اشهر. ومن المفترض ان تقدم الشركة تقريرا عن مصارف يجب ان تندمج واخرى ترفع عنها العقوبات، ومصارف تذهب الى التصفية.
وشدد على ضرورة ان "يكون البنك المركزي جاد في هذه العملية، لأجل ان يخلق منافسة. نحن نعترض احيانا لان المنافسة تكون غائبة، وبالتالي يحدث احتكارا يؤدي الى كوارث مصرفية".
استمرار الهيمنة الامريكية
وعما اذا كان لهذه الخطوة انعكاس على ازمة الدولار، اوضح الخبير الاقتصادي نبيل المرسومي انه "بإلغاء المنصة، سيتم تحويل اعمالها الى المصارف المراسلة ( citi bank و jp morgan) وهي استمرار للهيمنة الامريكية على العمليات والعملة الاجنبية في العراق، وبالتالي، لن يكون لها انعكاس على ازمة الدولار".
واوضح في حديثه لـ"طريق الشعب"، ان "الفجوة بين السعرين الرسمي والموازي ستبقى كما هي، طالما ان السبب الرئيس لحدوث هذه الازمة قائم، وهو وجود تجارة كبيرة مع ايران غير ممولة من خلال الاعتمادات المستندية والحوالات المصرفية، ووجود مسافرين عراقيين كُثر الى سوريا وايران ولبنان. هؤلاء محرومون من الحصول على الدولار في السوق الرسمي لذلك يلجؤون للسوق الموازي".
ونوه الى ان" الفجوة ستستمر وازمة الدولار لا يمكن حلها سواء بقينا على المنصة الالكترونية او الانتقال عبر المصارف المراسلة. إنها مجرد عملية تنظيم للعمل والقطاع المصرفي العراقي، ولكن اصل الفجوة سيبقى كما هو".
وتابع حديثه، ان هذه الخطوة "ستسهم في تقليص الفساد وغسل الاموال الموجود في العراق، وستفضي المصارف المراسلة الى معرفة المستفيد النهائي من عملية تحويل الاموال، والذي قد يؤدي بالنهاية الى تقليص عمليات غسل الأموال، وبالتالي عدم ذهاب الدولار الى الجهات المعاقبة".
وبيّن انه "سيساعد في تبسيط العمل التجاري وعملية التحويلات والاعتمادات للمشتركين في المنصة سابقاً ممن ليس لديهم مشكلة في التجارة من خلال القنوات الرسمية، لكن الذين يعتمدون على تمويل التجارة من خلال القنوات غير الرسمية سيستمر الامر على ما هو عليه".