اخر الاخبار

يحتفل العالم اليوم الثلاثاء، باليوم العالمي لمنع الانتحار، وهو مناسبة تهدف إلى تسليط الضوء على مشكلة خطرة تؤثر في مختلف المجتمعات، وتتعدد أسبابها لكنها تختلف من مجتمع إلى اخر.

ففي العراق، تتنامى وتصاعد معدلات الانتحار بشكل مقلق، حيث يعاني آلاف الشباب من ضغوط اقتصادية واجتماعية قاهرة دفعتهم إلى أقصى مراحل اليأس وفقدان الأمل.

حالات الانتحار، تضاعفت خلال العقد الأخير بنسبة مقلقة، وباتت تشمل حتى فئات عمرية يافعة لم تتم العقدين، ترتبط بشكل مباشر بالظروف الاقتصادية، التفكك الأسري، وغياب الدعم النفسي، في وقت تسود فيه حالة من الإحباط الجماعي نتيجة الأزمات المتراكمة التي تواجهها البلاد.

وعلى الرغم من الجهود المزعومة لتطبيق استراتيجية وطنية لمنع الانتحار، يبقى الواقع بحاجة إلى خطوات فعلية ناجعة وفعالة لتخفيف وطأة الظروف التي تدفع الأفراد نحو هذه النهاية المأساوية.

المعدل في تصاعد مستمر

وكشفت وزارة الداخلية، في وقت سابق، عن عدد حالات الانتحار خلال نحو السنوات التسع الماضية في العراق، وأظهرت تلك الإحصائيات تصاعدا مستمرا في أرقام هذه الظاهرة، لأسباب يعزوها المختصون إلى ثلاثة جوانب رئيسة (النفسي، الاقتصادي، الاجتماعي).

وطبقا للمتحدث السابق باسم وزارة الداخلية، اللواء خالد المحنا، فإن عدد حالات الانتحار في العراق ما عدا إقليم كردستان في العام 2015، بلغت 376 حالة".

ويقول المحنا، أنه "في 2016 بلغت 343 حالة انتحار، وفي 2017 بلغت 449 حالة، وفي 2018 بلغت 519 حالة، وفي 2019 بلغت 588 حالة، وفي 2020 بلغت 644 حالة، وفي 2021 بلغت 863 حالة، وفي 2022 بلغت 1073 حالة انتحار".

كما سجل العراق خلال الأشهر الستة الأولى من عام 2023، أكثر من 700 محاولة انتحار، منها 400 محاولة انتحار للفتيات، بحسب إحصائية في تشرين الأول من العام ذاته.

وعلى خلفية انتشار ظاهرة الانتحار في العراق خلال السنوات القليلة الماضية، بنسبة تزيد على 175%، اضطرت الحكومة إلى إقرار الاستراتيجية الوطنية للوقاية من الانتحار خلال الأعوام 2023-2030.

تضاعف لافت!

الباحث الاجتماعي نشوان محمد قال في مناسبة اليوم العالمي للانتحار، "اننا بحاجة الى دراسات أكاديمية وبحوث في هذه القضية. ما زلنا نحتاج الى دراسة اكثر ورصيد اكاديمي اكبر لدراسة قضية الانتحار، بالذات مع التزايد غير الطبيعي في عدد هذه الحالات".

واضاف في حديث مع "طريق الشعب"، ان هناك تزايدا وتقبلا مقلقا للانتحار، الذي لم يعد حالة فردية كما في السابق، بل يكاد يكون حالة تتكرر بشكل يومي او شبه يومي"، مبينا ان "تضاعف الاعداد قد يحول الامر من حالة الى ظاهرة اجتماعية. وجميعنا نرى ونسمع عن مختلف حالات الانتحار بشكل متكرر. ان هذه الحالات بدأت تشمل فئات عمرية يافعة تحت 20 عاما، وهذا بحد ذاته لم يكن مشهودا من قبل".

وأشار الباحث الاجتماعي إلى ان "الأسباب التي تدفع الفرد لأن يلجأ للانتحار كثيرة منها ما هو ذاتي واخرى موضوعية. وبحسب اول تفسير لهذه الظاهرة لعالم الاجتماع الفرنسي، اميل دوركهايم، فقد قسّم الانتحار على اساس الثقافة الاجتماعية والنظام الاقتصادي والاجتماعي السائد".

وواصل حديثه ان دوركهايم "صنف المجتمعات الى عضوي وهو مجتمع صناعي متطور يعتمد على التخصص وتقسيم العمل بشكل متزايد وعلى قوانين وقواعد لتنظيم العلاقات بين الأفراد والأنظمة. ففي هذا المجتمع، يكون الأفراد مترابطين من خلال تنوع وظائفهم وأدوارهم، وكل فرد يعتمد على الآخرين لتلبية احتياجاته. وتعتمد الروابط الاجتماعية على التبعية المتبادلة بين الأفراد، وليس على تشابههم كما هو الحال في المجتمعات التقليدية (التي وصفها دوركهايم بالمجتمع الميكانيكي)"، مشيرا الى ان "الانتحار ينتشر في هذا المجتمع اكثر من المجتمعات الميكانيكية التقليدية، التي يكون فيها ثقافة واحدة وعقل جمعي واحد ونظام اجتماعي متماسك من الداخل، والتي تقل فيها هذه الحالات لان الفرد منصهر مع الجماعة ثقافياً وعملياً ونفسياً".

الأسباب والدوافع

وقال أيضا ان هناك اسبابا اخرى مهمة تقف خلف هذه الحالات، لعل ابرزها هي العوامل الاقتصادية، بسبب صعوبة العيش والتحديات التي يواجهها الانسان وتدفعه للانتحار. وفي العراق يعد هذا من اهم اسباب زيادة حالات الانتحار في المجتمع، نظراً لصعوبة مواجهة متطلبات الحياة وقساوتها، مضيفاً ان "الحروب والنزاعات والصراعات الدموية وما تفرزه من ازمات لا تقل اهمية عن الاسباب الاقتصادية، حيث تبدأ بشخص وتنعكس على العائلة وتنشئتها بالكامل".

وعما اذا كانت هذه الاسباب مطلقة، اكد انها "ليست كذلك، وتختلف من مجتمع الى اخر ودولة الى اخرى، ففي الدول الاسكندنافية مثلاً والتي يعيش الافراد فيها اعلى مراحل الرفاهية مثل السويد والدنمارك وغيرهما تتزايد حالات الانتحار؛ اليابان وهي دولة متقدمة، لديها رصيد كبير جداً في حالات الانتحار، والاسباب مختلفة منها ضغط العمل وغيرها، بل ان هناك نوعا من الانتحار يعد مقدسا فيها، وهنا يدخل العامل الثقافي".

وتابع أنه "في العام 1978 احد الكهنة الأمريكان اقنع ما يقارب 4000 شخص بالانتحار، وتعد هذه اكبر حالة انتحار جماعية في العصر الحديث وهنا ايضا لعب العامل الثقافي دوراً، وكذلك العمليات الانتحارية التي ينظمها الارهابيون ايضا جذورها ثقافية وغسيل دماغ".

وخلص الى القول ان "الاوضاع السياسية في البلاد تلعب دوراً كبيراً،  فهناك حالة من اليأس تنتشر كالنار في الهشيم. يأس من كل شيء حتى من امكانية تبدل وتغير الأوضاع، ناهيك عن الفوارق الطبقية التي ظهرت، وتوسع الطبقة الفقيرة وبروز أخرى غنية تستغل وتسحق الفقيرة، والشعور باللاجدوى وموت الأمل الذي يقود الى اعلى مراحل اليأس المتمثل بالانتحار".

لمَ الانتحار؟

من جهتها، قالت استاذ علم الاجتماع الدكتورة لاهاي عبد الحسين: ان "الانتحار حالة تعبر عن الفشل في الارتباط بالحياة الاجتماعية"، مشيرة الى ان "الانتحار في البلاد يصنف على انه حالات وليس ظاهرة".

وبينت في حديثها لـ"طريق الشعب"، ان هناك "حالات متزايدة توجد لدى الذكور اكثر من الاناث وتزداد في ظروف معينة، مثل الفترة التي ترافق نتائج الامتحانات للمرحلة الثانوية. يميل البعض إلى نوع من انتهاز الفرصة ليرتكب الانتحار بحيث يبدو ان السبب في الامتحان"، مؤكدة اهمية ان "ننظر للظروف المحيطة بهؤلاء الضحايا، والاسباب التي قادتهم للجوء الى هذا الخيار".

ونوهت عبد الحسين الى ان "الشباب الذين يحظون بعناية عائلية يستطيعون تجاوز المحن التي تمر بهم، ولكن علينا أيضا ألا نكتفي بالعائلة لان العائلة نفسها قد تكون في وضع لا تحسد عليه بسبب الظروف الاقتصادية التي تحول دون ان تقوم بواجباتها تجاه الابناء".

وكشفت في سياق حديثها ان هناك "حالات انتحار متزايدة لدى الزوجات الشابات من العوائل الفقيرة وهذه ظاهرة غير مسبوقة. تقليدياً، يعتقد ان المتزوجين أقل ميلا إلى الانتحار من غير المتزوجين"، موضحة ان "ظروف الحياة الاقتصادية تدفع البعض إلى الانتحار بضمنهم النساء الأصغر سناً. يترك بعض هؤلاء أطفالاً خلفهم يتحتم عليهم مواجهة مصاعب الحياة وقد يؤدي هذا بدوره إلى حالات انتحار متتالية".

وخلصت الى القول، ان هذه "مشكلة خطيرة تتسبب بمزيد من المشاكل للأشخاص الذين يتركونهم بما في ذلك الأزواج والأمهات والآباء"، منبهة الى ان المدرسة يمكن ان تلعب دوراً مهماً لوقف هذه الحالات، شريطة تفعيل دور الباحث الاجتماعي المؤهل لمتابعة الحالة والحيلولة دون ذلك.

عرض مقالات: