في 30 آب من كل عام، يحتفل العالم باليوم الدولي لضحايا الاختفاء القسري، وهو يوم يهدف إلى تسليط الضوء على إحدى أكثر الجرائم الإنسانية إيلامًا. وفي حالة العراق، يكتسب الموضوع أهمية كبيرة، خصوصًا وأن البلد يعد صاحب أعلى معدلات الاختفاء القسري في العالم، نتيجة لما مر به من ظروف وحروب واقتتال وصراعات متعاقبة وانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان.
هل من مجيب؟
بالتزامن مع هذا الحدث، أحيا ذوو ضحايا الاختفاء القسري في العراق، للسنة الثانية على التوالي، هذا اليوم بتنظيم وقفة احتجاجية في محافظات بغداد ونينوى والأنبار.
وشارك في الفعالية أهالي المفقودين من مختلف الأطياف العراقية، مؤكدين استمرار مطالبهم بالكشف عن مصير ذويهم وتقديم الدعم لعوائل الضحايا.
"شرعوا القانون"
وأكد المشاركون على أهمية تشريع قانون يعالج قضايا الاختفاء القسري في العراق، ويضمن حقوق الضحايا، مطالبين الحكومة بتكثيف الجهود لمعرفة الحقيقة وتقديم الجناة إلى العدالة. وأصدروا بيانًا حصلت "طريق الشعب" على نسخة منه، جاء فيه أن "العراق يعد من الدول الأولى في العالم من حيث عدد ضحايا الاختفاء القسري والمفقودين، فقد اجتمعنا نحن، أهالي الضحايا من مختلف الأعراق والديانات، ومن مختلف الأحداث والتواريخ التي فقد فيها أحباؤنا، مدعومين من كافة فئات المجتمع العراقي من أفراد ومنظمات وإعلام".
وأوضحوا أنهم "هنا للسنة الثانية على التوالي، لإحياء ذكرى أحبائهم وإيصال صوتهم إلى العالم أجمع بأنهم ما زالوا يأملون في العثور عليهم"، مشيرين الى ان "هناك أمهات تنتظر أبناءها وعيونهن مليئة بالأمل، وزوجات يحلمن بعودة أزواجهن، وأطفال يقفون على أعتاب بيوتهم منتظرين عودة آبائهم الذين طال غيابهم".
وطالبوا في الختام بـ"تشريع قانون يعالج قضايا الاختفاء القسري وينصف الضحايا ويعوضهم، ويعمل على حماية المجتمع من هذه الجرائم في المستقبل"، مؤكدين أهمية "دعم عوائل الضحايا والمجتمعات المتضررة، والتخفيف من الآثار النفسية والاجتماعية والاقتصادية".
تقرير الصليب الأحمر
من جهتها، أعلنت اللجنة الدولية للصليب الأحمر عن تسجيل 618 حالة فقد في العراق بين شهري كانون الأول وحزيران من عام 2024، داعية إلى العمل الفاعل والمنسق من أجل إيضاح مصير الأشخاص المفقودين وأماكن وجودهم.
ونوهت اللجنة الدولية للصليب الأحمر في بيان ورد لـ"طريق الشعب"، بـ"أهمية القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان في التعامل مع ملف الأشخاص المفقودين"، داعية إلى "العمل الفاعل والمنسّق من أجل منع اختفاء الأشخاص، وتمكين العوائل المشتتة من أجل استعادة التواصل والحفاظ عليه، وإيضاح مصير الأشخاص المفقودين وأماكن وجودهم".
وأضاف البيان، "في العراق، أصبح الكثير من الأشخاص في عداد المفقودين جرّاء جولات مختلفة من النزاع المسلح، ولا يزال عدد لا يُحصى منهم مجهولي المصير".
وثّقت اللجنة الدولية 618 حالة جديدة من الاختفاء بين كانون الأول وحزيران من عام 2024 الجاري، في حين جرى إيضاح مصير ومكان وجود 208 أشخاص".
ودعت اللجنة الدولية في بيانها "جميع السلطات المعنية لتعزيز الآليات والموارد لإتمام هذه المهمة، وضمان احترام جثث الموتى وتزويد العوائل بالمعلومات والدعم الذي تحتاجه لإنهاء حالة عدم اليقين التي يعيشونها".
إهمال وتقصير حكومي
في هذا الشأن، قال رئيس مؤسسة "حق" لحقوق الإنسان، عمر العلواني، إن "قضية الاختفاء القسري في العراق هي واحدة من أكثر القضايا المتشعبة في واقع حقوق الإنسان، وعلى عكس ما يراد تصويرها، فهي لا تقتصر على فئة معينة من الناس دون أخرى، بل إنها شملت كافة مكونات المجتمع العراقي".
وأوضح في حديثه مع "طريق الشعب"، أن "العراق صاحب أكبر عدد من المفقودين على مستوى العالم، وتقدر هذه الأعداد حسب اللجنة الدولية للصليب الأحمر بمليون مفقود؛ وهذا يعكس واقعًا مؤسفًا بما يخص حقوق الإنسان".
ونوه إلى أن الاختفاء القسري "يعد جريمة دولية ضد الإنسانية ولا تسقط بالتقادم، والعراق مصادق على اتفاقية دولية تتعلق بحماية الأشخاص من الاختفاء القسري، وهذا ما يخلق التزامًا على العراق يجب الإيفاء به".
وأكد العلواني ضرورة أن "يتم تشريع قانون خاص بالاختفاء القسري يبدأ بالتجريم. ففي العراق، حصرت المحكمة الجنائية العليا الجرائم بالمدة الزمنية من عام 1968 وحتى العام 2003، وما بعد هذا التاريخ لا تنطبق عليه أحكام هذه المحكمة أو التوصيفات القانونية".
وأوضح قائلاً إن "جرائم الاختفاء القسري، وعلى مدار الزمن منذ العهد المباد إلى اليوم الحالي، خلفت ضحايا من كل مكونات الشعب العراقي"، مبينًا أن "محاولة إضفاء صبغة طائفية على الموضوع يرجع إلى الأبعاد السياسية، والغرض منها هو تحقيق مكاسب سياسية".
وأشار ضمن حديثه إلى أن "جزءًا من استمرار الاختفاء القسري مرتبط بالصراع السياسي والنفس الطائفي الذي تبثه مختلف القوى النافذة في السلطة. وعليه، فإن التعاطي مع هذا الملف خطر جدًا، كونه جريمة دولية وله العديد من الأبعاد، إضافة إلى حجم تأثيراتها".
وتابع قائلاً: ان "حال ذوي ضحايا الاختفاء القسري مرير، حيث تمر الأيام والسنين عليهم ولا يزال جرحهم مفتوحًا، إضافة إلى عدم امتلاكهم أي حقوق أو توصيف قانوني".
وانتقد المتحدث "الإجراءات الشكلية المتعلقة بهذه الجريمة، وعدم وضوح المسار الذي يسلكه ذوو الضحايا، وغياب التوصيف الخاص الذي يميزها عن حالات الفقدان أو الاختطاف"، مؤكداً أن "مسؤولية البحث والتحري والتحقيق تقع على عاتق الدولة، ونتيجة لغياب التشريع القانوني، يتأثر كل هذا".
وطالب في سياق حديثه بأن تكون هناك "مؤسسة معنية بهذا الملف تدعم العوائل نفسيًا وقانونيًا، وتراعي مختلف الجوانب. على سبيل المثال، إحدى الطالبات حصلت قبل أيام على بعثة دراسية خارج العراق، لكنها فقدت الفرصة لأنها لم تستطع الحصول على جواز السفر، حيث يُشترط حضور الأب كونها قاصرًا".
وخلص إلى القول إن "ذوي الضحايا لا يعانون من الإهمال فحسب، بل أيضًا من الاستغلال، حيث يتم ابتزازهم بطرق شنيعة. ومن بين هذه الطرق، الاطلاع على ملف القضية الذي تُذكر فيه آخر أوصاف المفقود وفقًا لأقوال ذويه، ثم يتم الاتصال بهم لاحقًا وإيهامهم بالعثور على المفقود، مع تزويدهم بالأوصاف المذكورة في التحقيق".
وتابع بالقول: إن "ذوو الضحايا لا يدركون أنهم وقعوا في فخ. وفي الواقع، هناك من استسلم للابتزاز ودفع مبالغ تصل إلى 40 أو 50 ألف دولار، لأولئك الانتهازيين الذين قرروا استغلال معاناتهم".
مجلس النواب غير مكترث
من جهته، قال رئيس منظمة المنقذ لحقوق الإنسان، كاظم الخفاجي: إن "ملف الاختفاء القسري هو من الملفات المهمة، ويعد واحدًا من التحديات التي تواجه المجتمع والدولة بسلطتيها التنفيذية والتشريعية على حد سواء. كان من المفترض أن يتم التعاطي مع هذا الملف، على أقل تقدير، من خلال تشريع قانوني يخصه".
وأكد الخفاجي لـ"طريق الشعب"، أنه "بعد مصادقة العراق على اتفاقية منع الاختفاء القسري، كان ينبغي أن يكون تشريع القانون هو أول مطلب يجب الوفاء به كالتزام دولي، إضافة إلى مواءمة التشريعات الوطنية مع الاتفاقية".
وأضاف الخفاجي: أنه "حتى الآن، لم نرَ جهودًا حقيقية، على الرغم من وجود مسودة قانون، إلا أنها لا تحظى باهتمام مجلس النواب، ولم تُدرج ضمن جدول الأعمال ولم تُناقش. قُدمت المسودة، لكنها مركونة مثل مسودات القوانين المهمة الأخرى المتعلقة بحقوق الطفل والتعذيب وغيرها."
وأشار إلى أن "ملف الاختفاء القسري ملف معقد جدًا، وهناك مجموعة من الملاحظات التي قدمها مجلس حقوق الإنسان حول هذا الملف، لكن الحكومة العراقية لم تقدم إجابات دقيقة وواضحة عنها".
ونبّه إلى "ضرورة وجود مؤسسة معنية بمتابعة هذا الملف بجميع جوانبه، وهو أمر مهم، ولكنه يرتبط بوجود تشريع قانوني يحدد مهامها ومرجعيتها والجهات التي ترتبط بها المؤسسة ومسؤوليتها". وأكد أن "وجود قانون مكتمل بشرطه وشروطه يسهل المهمة والعمل، وما عدا ذلك لا يعدو كونه كلاما لا جدوى منه".
وأضاف قائلاً: "لهذا السبب، نحرص ونؤكد ونطالب دائمًا بتشريع قانون. قدمنا ثلاث مسودات لمجلس النواب، وهناك مسودة أخيرة قُدمت للحكومة، لكننا لا نعرف أي تفاصيل عنها ولم تحظَ بأي اهتمام".
وأتم حديثه متسائلًا: "ما قيمة المسودة التي تقدم للحكومة والبرلمان إذا لم تُناقش وفق الآليات الدستورية ولم تحظَ باهتمام المعنيين في الشأن؟".