اخر الاخبار

تواجه منظومة التعليم في العراق تحديات كبيرة منذ عام 2003، منها ارتفاع معدلات الأمية وتسرب الطلبة والتلاميذ من المدارس نتيجة للأوضاع الاقتصادية والأمنية المتدهورة.

ويطالب مراقبون بإصلاحات شاملة وتحديث المناهج الدراسية، وتحسين البنية التحتية لضمان بيئة تعليمية ملائمة.

وحددت وزارة التربية، الأول من تشرين الأول المقبل موعدًا لانطلاق العام الدراسي الجديد 2024 و2025.

أرقام فلكية والمدارس طينية!

وتشير تقارير حكومية إلى أن نسبة الإنفاق على التعليم - وزارتا التعليم العالي والتربية - تتراوح بين 4 و8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للبلد، منذ العام 2003 حتى العام 2021.

وطبقا لإحصائيات غير رسمية فإن أكثر سنتين انفاقا على التعليم في العراق هما 2013 و2014، حيث خصصت الحكومة في موازنة الأولى 10 تريليونات دينار عراقي للتعليم، وارتفع الرقم في موازنة عام 2014 حتى 13 ترليون دينار، وتشمل هذه المبالغ جميع المستويات التعليمية بدءاً بالتعليم الابتدائي وحتى التعليم الجامعي، مغطياً النفقات التشغيلية والاستثمارية، ليشهد انخفاضا في ميزانية عام 2021 وتصل نسبة الانفاق عليه الى 4.2 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للبلد.

وبرغم تلك الأموال الضخمة والفلكية، لا تزال الكثير من القرى تفتقد المدارس، وأخرى تستغيث من الطينية والكرفانية، فضلا عن نقص المناهج الدراسية والقرطاسية كثرة اعداد الطلبة والتلاميذ وغيرها من المشكلات التي يجري ترحيلها من عام الى اخر، دون ايجاد أية معالجات لذلك الواقع البائس.

الوضع الاقتصادي أبرز العوامل

الرفيقة سهاد الخطيب عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي، وهي أيضا مديرة مدرسة، أرجعت أسباب تسرب الأطفال عن مقاعد الدراسة إلى الوضع الاقتصادي المتردي للأسر العراقية وغياب مستلزمات التعليم المجاني.

وأضافت في حديثها لـ "طريق الشعب"، أن "اعطاء رواتب شهرية لتلاميذ وطلبة المدارس الابتدائية والثانوية وحتى لتلاميذ الروضة بقيمة ٣٠ ألف دينار عراقي لكل طالب، سيشكل حافزا للأهالي بعدم تسرب ابنائهم من مقاعد الدراسة".

وذكرت الخطيب، أن "التعليم في العراق مر بأزمات كبيرة منذ عام 2003، نتيجة تدهور النظام التعليمي الذي بدأ مع سنوات الحروب والحصار قبل ذلك".

واستدركت قائلة، إن "العراق كان يمتلك نظامًا تعليميًا متميزًا في السبعينيات، لكنه تعرض لانحدار حاد بسبب الحروب المتتالية والعقوبات، ما أدى إلى ارتفاع معدلات الأمية وتدهور البنية التحتية التعليمية".

وأوضحت الخطيب، أن "التحديات التي تواجه التعليم في العراق بعد عام 2003 تشمل انتشار الأمية، حيث بلغت نسبتها 18 في المائة من السكان، ووجود أكثر من 2000 مدرسة طينية في جنوب العراق، بالإضافة إلى نقص كبير في المباني الدراسية المناسبة، ما اضطر المدارس إلى العمل بنظام الدوام المزدوج أو الثلاثي. كما أن قلة عدد أيام الدراسة السنوية والتي تبلغ 151 يومًا فقط، إلى جانب تسرب أكثر من مليون و200 ألف طفل من المدارس، تعد من بين المشاكل التي تهدد مستقبل التعليم في العراق".

وتطرقت إلى مظاهر الفساد المالي في قطاع التعليم، مثل الفساد في بناء المدارس وطباعة الكتب المدرسية، بالإضافة إلى ضعف كفاءة المعلمين وتخلف المناهج التعليمية التي لم تعد تواكب التطورات الحديثة. وأشارت أيضًا إلى التدخلات السياسية والطائفية في المناهج الدراسية، واتساع ظاهرة المدارس الأهلية والدروس الخصوصية، ما يقوض سياسة التعليم المجاني.

من جانب آخر، أكدت الخطيب أن "حوالي 70 في المئة من المدارس تفتقر إلى المياه النظيفة والمرافق الصحية، وأن هناك نقصًا كبيرًا في المختبرات العلمية والمكتبات المدرسية، مما يعوق توفير بيئة تعليمية متكاملة"، وأوضحت أن "التعليم في العراق يعاني من أزمة مزمنة تتطلب إصلاحًا شاملًا".

ودعت الخطيب إلى مجموعة من الإصلاحات العاجلة، من بينها "تحديث المناهج التعليمية وفق أسس علمية بعيدة عن التخندق الطائفي، وتخصيص موارد مالية كافية لتحسين البنية التحتية التعليمية". كما شددت على ضرورة إبعاد وزارة التربية ومديرياتها عن المحاصصة الحزبية والطائفية، وضمان توفير بيئة تعليمية تحفز التفكير النقدي وتواكب التطورات العلمية.

وفي ختام تصريحها، أكدت الخطيب على أهمية دور نقابة المعلمين العراقيين في الدفاع عن حقوق المعلمين والمساهمة في تحسين جودة التعليم، مشيرة إلى ضرورة دعم المعلمين ماديًا ومعنويًا، وتفعيل قوانين حماية المعلم، لتعزيز دورهم في بناء جيل متعلم قادر على قيادة مستقبل العراق.

وفي تصنيف التنمية البشرية الصادر عن الأمم المتحدة لعام 2021، حل العراق في المرتبة 119 عالمياً من بين 189 دولة في ما يتعلق بمؤشر التعليم.

نقابة المعلمين تشخص الخلل

ويصف السوداني لـ "طريق الشعب"، أعداد الاميين في العراق بأنها "مخيفة"، ويضيف أن "أبرز الأسباب تعود لعدم التحاق الأطفال بمقاعد الدراسة، وهذا مرهون جزئيًا بالوضع الاقتصادي للعائلات، وخاصة العوائل المتعففة والفقيرة التي لم ترسل أولادها إلى المدارس. بالإضافة إلى ذلك، يلعب العامل الأمني دورًا هامًا جدًا في بعض المناطق، حيث مرّت سنوات عديدة دون أن يلتحق الأطفال بالمدارس أو يكملوا تعليمهم، خاصة في المناطق التي تعرضت للحروب".

ويضيف، ان "نقابة المعلمين شخصت هذه القضايا وقدمت بعض المقترحات لوزارة التربية والى الحكومة، حيث هناك جهاز مختص بمحو الأمية"، معرباً عن اسفه لتعطيل عمل هذا الجهاز.

أمحُ أميّة أميّ واحصلْ على مكافأة

ويلفت الى وجود مطالبات عديدة من قبل النقابة نادت بتفعيل الجهاز، كما قدمت نقابة المعلمين مشروعًا إلى رئيس الوزراء يتضمن "منح مكافأة لكل معلم يقوم بتعليم شخص أمي. ونعمل على تنفيذ هذا المشروع بالتعاون مع الجهات المعنية".

وأشار إلى أن "معالجة الأمية في العراق تتطلب توفير الأموال، وهناك شح في تخصيصات وزارة التربية في الموازنة، ما يدل على وجود تقصير".

وتطرق السوداني للحديث عن قانون محو الأمية، واعتبره أحد القوانين المهمة في مكافحة الامية، بالإضافة الى قانون إلزامية التعليم في العراق.

وبين أن " القانون الاخير يفرض محاسبة أولياء الأمور الذين لا يرسلون أولادهم إلى المدارس، ونتيجة لعدم تطبيق القانون يظل مستقبل الأطفال مرهونًا بتصرفات الوالدين"، مشددا على "ضرورة تفعيل قانون إلزامية التعليم لضمان التحاق كافة الأطفال بمقاعد الدراسة".

مستوى الكتابة والقراءة منخفض

وأظهر تقرير لليونسكو صدر عام 2021، ان معدل القراءة والكتابة في العراق منخفض جدا؛ حيث يقدر بحوالي 77 في المائة للكبار ونحو 63 في المائة للشباب ممن تتراوح أعمارهم بين 15 و24 عاما.

وتشير إحصائيات البنك الدولي إلى أن معدل الالتحاق بالمدارس في العراق منخفض جدا.

وشخصت نقابة المعلمين في العراق وجود ارتفاع في مستوى الأمية في العراق، خاصة في السنوات الأخيرة، وارجع نائب نقيب المعلمين العراقيين عباس السوداني الأسباب إلى عوامل ترتبط بالاستقرار العام البلد، والعامل الأمني، الاقتصادي والاجتماعي.

مدارس تشجع على التسرب

وتصف نور الخفاجي (تدريسية) “الواقع التعليمي في العراق بأنه “كارثي”. وقالت: “واقع التعليم لا يختلف عن وضع الماء والكهرباء والمشاريع الخدمية، التي يعاني منها المواطنون منذ عقود، حيث لم يجد المسؤولون حلولا الى الان”.

تتحدث الخفاجي بعمق أكثر عن التعليم العراقي لـ “طريق الشعب”، وتقول أن “البنية التحتية للمدارس سيئة، وتخلو العديد منها من المرافق الصحية والترفيهية، كما ان اعدادها لا تزال لا تتناسب مع الحاجة السكانية، خاصة في القرى والارياف. لا يزال السكان هناك يواجهون صعوبات في إيصال أطفالهم الى مقاعد التعليم”، مشيرة إلى وجود “تكدس في اعداد الطلبة، كما يفترش العديد منهم الأرض عند أداء الامتحانات”.

وتبين إن “المدارس أصبحت تنفر الطلبة منها”، محملة وزارة التربية العراقية مسؤولية هذه الأوضاع، خاصة المشكلات التي  تتكرر بداية كل عام دراسي بدء من نقص المستلزمات الدراسية منها الكتب والقرطاسية وغلاء الأسعار، الذي يزيد حملا على اكتاف الأهالي ذوي الدخل المحدود او المعدوم.

وترى الخفاجي، أن “تخلف التعليم الحكومي، يعود للسياسات التي تشجع هيمنة التعليم الخاص على العام، وفسح المجال للمستثمرين بكسب المال على حساب جودة التعليم”، مضيفة أن “المدارس والجامعات الاهلية أصبحت تنتشر بين حي واخر”.

ونشرت وكالة التنمية الامريكية دراسة عن التعليم في العراق، اشارت خلالها الى أن مشكلة البنية التحتية مصدر قلق، خاصة وأن ثلاثة ارباع المدارس بحاجة إلى اصلاح. وكشفت عن العديد من المؤشرات السلبية التي تعيق عملية تقدم التعليم في العراق، منها أن 79 في المائة من المدارس التي شملتها الدراسة تتشارك الابنية مع مدرسة اخرى، حيث أن 94.7 في المائة منهم يتقاسمون البناء المدرسي مع مدرسة واحدة، بينما يتقاسم 5.3 في المائة منهم البناء المدرسي مع مدرستين اخريين، ما يؤثر على كمية الحصص التي يمكن ان تعطى للطلاب.

بالرغم من الدعم الدولي والتخصيصات الحكومية، إلا ان المؤشرات تضع قطاع التعليم العراقي وجودته في مراكز متأخرة، ففي تقرير اليونيسكو لعام 2020 حول التعليم العالمي، والذي قيّمَ العراق بناءً على مؤشرات مثل معدل القبول في التعليم الثانوي ومعدل القبول في التعليم العالي ومؤشر تطوير الموارد البشرية وغيرها، ظهر أن مستوى التعليم في العراق منخفض بشكل كبير. وذات التقييم وجد في تقرير آخر للبنك الدولي.

 

عرض مقالات: