برغم الحملة الواسعة لرفض مقترح تعديل قانون الأحوال المدنية، التي قدّمها أحد النواب في البرلمان، اصطفت قوى الإطار التنسيقي مجددا مع هذا مقترح، ودعت إلى المضي قُدمًا في القراءة الأولى للمقترح التعديل، في إشارة منها إلى حالة الانفراد والهيمنة وفرض الامر الواقع، وإرسال رسالة واضحة إلى الرأي العام بأنها لا يمكن ان تتراجع عن مساعيها الرامية إلى سلب مكتسبات المرأة وتفتيت وحدة المجتمع، من خلال إدخال تعديلات مرفوضة ومستهجنة من قبل أطياف واسعة من الشعب.
وفي إطار حملة الرفض الواقفة في وجه محاولات إعادة العراق إلى عصور غابرة، عقدت مجموعة من منظمات المجتمع المدني وممثلات عن الحركة النسوية وممثلي جمع من القوى السياسية والأحزاب وشخصيات قانونية وأكاديمية، لقاءً تداولياً، لبحث تداعيات تعديل قانون الأحوال الشخصية النافذ، وسبل الوقوف بالضد من أي إجراء يخالف الدستور والديمقراطية.
تعطيل لمواد دستورية!
واستعرض اللقاء الذي عقد أمس الأول في بغداد، الإجراءات والتصريحات التي صدرت في الأيام القليلة الماضية من قبل القوى السياسية المتنفذة والماسكة بالسلطة، التي تريد تعديل القانون وتشويه ما يخالف الدستور في مختلف المواد الدستورية، ومنها المادة ٢/ الفقرتان (ب) و (ج) والمادة 14 والمادة 29 والتي ينسفها تعديل القانون.
وأكد اللقاء في بلاغ صادر عنه رفض الجميع إدراج مسودة التعديل في جدول أعمال جلسات مجلس النواب، وحض النواب المعارضين له على مواصلة رفض التعديل ورفع صوتهم ضده.
واتفق اللقاء على إجراء مباحثات مكثفة مع مختلف الجهات المدنية لتشكيل تحالف واسع للدفاع عن قانون الأحوال الشخصية النافذ.
وبيّن المجتمعون، أنّ القوى السياسية الطائفية المتنفذة تحاول إخفاء جوانب حكمها السلبي وتغطي ملفات الفساد التي تظهر بين الحين والأخر، وتريد إشغال المجتمع بقضايا خلافية في سبيل فرض هيمنتها على السلطة وإدامة وجودها فيها.
وحثّ الحاضرون، جميع القوى السياسية المدنية والديمقراطية والقوى المجتمعية والنقابات والاتحادات، على مساندة حملة الرفض الواسعة لتعديل القانون: «نهيب بوسائل الإعلام الوطنية أن تواصل دعمنا للحد من أي خرق للدستور والديمقراطية».
واتفق المجتمعون على إقامة مؤتمرٍ صحفي واسع اليوم الخميس.
مقترح يفكك الأسر العراقية
من جانبها، قالت عضو لجنة الأوقاف والخدمات النيابية نهال الشمري، ان «مقترح قانون الاحوال الشخصية المراد تشريعه يعمل على تفكيك الأسرة العراقية، خاصة اذا كان الزوجان يختلفان بالطائفة».
وحذرت الشمري في تصريح لـ»طريق الشعب»، من ان «الزواج خارج المحاكم يبخس حق المرأة ويعرضها للطلاق اكثر من مرة، وذلك لغياب القانون الرسمي للدولة والركون لقانون يعمل به الاخرون حسب اهوائهم وانتماءاتهم».
وأبدت النائبة استغرابها من «تدخل الاطار التنسيقي في سن قانون يرسخ الطائفية»، مؤكدة ان «الموضوع يحتاج الى دراسة ونقاشات مستفيضة فهو ليس موضوعا حزبيا، انما هذا قانون دولة».
قانون جدلي
فيما أعرب النائب محما خليل عن رفضه التعديلات المقترحة على القانون، واصفا إياه بأنه «مقترح جدلي ولا يجب عرضه للنقاش في الوقت الحاضر».
وشدّد خليل في حديث صحفي على أن «المقترح يتضمن بنوداً تتناقض مع الدستور والقوانين العراقية. كذلك مع العادات والتقاليد المجتمعية»، مؤكدا أن «هذه البنود تثير الكثير من الجدل والمخاوف، خاصة تلك المتعلقة بالمسائل المذهبية وسن الزواج».
وأوضح النائب، أن «توقيت طرح هذا التعديل غير مناسب، حيث كان من المتوقع أن يكون هناك توافق أوسع بين الكتل السياسية حول بنود القانون، وأن يكون متماشيًا مع الطروحات التي طرحتها هذه الكتل».
وأشار إلى أن «إصرار بعض الأطراف على تمرير هذا القانون في التوقيت الراهن قد يكون هدفه توليد الضغط على البرلمان»، مشددا على أن «هذا الأمر لا يخدم المصلحة العامة، ووضعه على جدول الأعمال ليس في توقيته أو محله».
يتعارض مع ديباجة الدستور
بدوره، أكد الخبير القانوني محمد جمعة، أنّ الاستناد إلى المادة 41 من الدستور غير قانوني؛ حيث لا تزال هذه المادة قيد الدراسة في لجنة التعديلات الدستورية.
وأضاف جمعة في حديث لـ»طريق الشعب»، أن لجنة التعديلات الدستورية التابعة للأمانة العامة لمجلس الوزراء قد أدرجت المادة 41 ضمن قائمة المواد المقترحة للتعديل، مبينا ان «المادة 142 من الدستور تنص على ضرورة إجراء استفتاء شعبي على أي تعديل دستوري. وبما أن المادة المقترحة تخضع حالياً لهذا الإجراء، فلا يمكن استخدامها كأساس لتشريع أي قانون قبل إجراء الاستفتاء».
ورأى جمعة، أن التعديل المقترح يتعارض مع ديباجة الدستور التي تؤكد على بناء عراق ديمقراطي بعيداً عن الطائفية، حيث أن هذا التعديل من شأنه تعزيز النزعات الطائفية. كما يتعارض التعديل المقترح مع المادة 29 من الدستور التي تكفل حماية الأمومة والطفولة، حيث أن هذا التعديل قد يقوض هذه الحماية. ويخالف التعديل أيضاً المادة 82 من الدستور التي تؤكد على استقلال القضاء، حيث ينص التعديل المقترح على إعطاء جهات تنفيذية غير قضائية سلطة التأثير على أحكام القضاء، وهو ما يعد تدخلاً سافراً في شؤون العدالة.
ويوضح جمعة، ان التعديل يتيح لجهات تابعة للسلطة التنفيذية فرض أحكام على السلطة القضائية.
ويؤكد قضاة وقانونيون، أنّ قانون الأحوال النافذ لا يخالف بنود الشريعة الإسلامية، وأن الغاية من تعديل القانون هي الإساءة لواقع المرأة وافتعال أزمات مجتمعية جديدة، خاصة وأن القانون ما زال المرجعية القانونية التي يُعتمد عليها في تنظيم أحكام الأسرة واستقرارها منذ أكثر من ستة عقود.
ويحذرون من أن مقترح القانون يذهب أيضًا باتجاه خلق سلطة تشريعية رديفة موازية لمجلس النواب متمثلة بفتاوى الوقفين الشيعي والسني. كما أن التعديل يتعارض مع المادة (5) من الدستور، التي تنص على سيادة القانون على جميع فئات الشعب العراقي دون تمييز. كما أن مقترح القانون تضمن انتهاكا صريحا لحقوق المرأة بصورة عامة.