تواصل القوى الطائفية بث سمومها في الشارع العراقي على شكل جرعات، سواء من خلال رفع مستوى خطابها الطائفي المقيت، أو عبر تشريع قوانين تسهم في بث الفرقة بين العراقيين وتجذر وجود قوى الفساد، ساعية الى إلهاء الناس عن قضاياهم الأساسية، مستغلة التركيب المختل في مجلس النواب لصالحها.
وآخر تقليعات تلك القوى هو محاولة تعديل قانون الأحوال الشخصية وفرض صيغة تكرس الطائفية وتهدم مكتسبات المرأة العراقية، وسط محاولات لفرض نفوذها على مفاصل الدولة من دون مبرر أو مسوغ سوى إدراكها أن الفرقة والتقسيم هما السبيل الوحيد لإدامة سلطة منظومة المحاصصة والفساد والسلاح المنفلت.
وبعد ردة الفعل الغاضبة من قبل الأوساط الشعبية وحتى الرسمية، قررت رئاسة مجلس النواب تأجيل قراءة المقترح الخاص بتعديل قانون الأحوال الشخصية ورفعه من جدول جلسة البرلمان أمس الأربعاء. وهذا لا يعني تراجع القوى الطائفية عن مسعاها، بل ربما أنها تتحين الفرصة المناسبة لإخراج القانون مجددًا من غرفها المظلمة، وتمريره عبر البرلمان.
محاولة تجزئة الشعب
وفي هذا الشأن، أكدت النائبة كفاح السوداني على ضرورة الوقوف بوجه أي محاولة لتجزئة الشعب العراقي وعدم السماح بتمرير التعديل المقترح على القانون، مؤكدة الوقوف «بوجه أي محاولة لتعديل القانون».
وقالت، إن «غالبية النواب يعارضون التعديل الذي من شأنه أن يساهم في تجزئة العراق»، واصفة اياه بالقنبلة الموقوتة التي تُهدد الوحدة الوطنية على كافة المستويات الشرعية والقانونية والإنسانية والاجتماعية.
وأضافت، أن «أعضاء مجلس النواب سيناقشون الموضوع وأن هناك رفضًا مطلقًا له بغض النظر عن التوجهات السياسية والدينية».
المرأة.. المتضرر الأول
من جانبها، قالت عضو مجلس النواب السابقة ريزان الشيخ دلير لـ»طريق الشعب»، ان «البعض من اعضاء مجلس النواب يعملون دون اطلاع على ما يعانيه المجتمع العراقي من تحديات يومية مختلفة، كفيلة باشعال انتفاضة شعبية جديدة. فادراج مقترحات لتعديل قانون الاحوال الشخصية اجراء يتكرر مع اقتراب موعد كل انتخابات، بهدف اشغال المجتمع وبالتالي كسب الوقت لا اكثر».
وأفادت بأن «أول المتضررين من هذا التعديل المقترح في مجلس النواب هو المرأة، حيث يبيح التعديل زواج الطفلة بعمر 9 سنوات، فضلا عن سلب كافة الحقوق القانونية للزوجة وقنونة مظاهر العنف الأسري».
وشددت دلير على ان «مجلس النواب يعمل اليوم بالضد من مصلحة الشعب العراقي».
وذكرت النائبة السابقة في هذا الصدد انه «على الرغم من حاجة المجتمع الماسة الى تشريع قوانين تناهض العنف الاسري فإن المتنفذين يذهبون باتجاه طرح مقترحات قانونية تعزز من خطاب الطائفية التي ما انفكت تنخر أواصر المجتمع منذ عقود طويلة».
إثارة الفوضى
بدورها، أكدت الناشطة الحقوقية بشرى العبيدي لـ»طريق الشعب» انه «منذ عام 2004 ومع اقتراب موعد اي انتخابات يعود مجلس النواب لطرح مقترحات لتعديل قانون الاحوال الشخصية، بهدف اثارة الفوضى والصراعات المجتمعية».
وقالت العبيدي، ان « البعض من اعضاء مجلس النواب يحاول استهداف المرأة وسلب حقوقها القانونية عبر تقديم مقترحات او تعديلات قانونية تهيمن عليها العقلية الذكورية»، موضحة ان «البنود القانونية التي يتضمنها مقترح التعديل يسلب المرأة الحق بحضانة اطفالها، فضلا عن انهاء جميع ما تحقق للمرأة خلال سنوات النضال الطويلة».
رفض مجتمعي واسع
وتعقيبا على محتوى التعديل أفادت العبيدي بأن «هذا المحتوى لم يطرح لأول مرة بل سبق أن تم طرحه بذات الخطاب الطائفي قبل انتخابات عام 2017، وقد تم التصدي له عبر رفض مجتمعي واسع».
ونوهت الى ان «المجتمع العراقي بات يعي جيدا العملية السياسية القائمة، ولهذا سيتم التصدي لما يجري من محاولات تشريعية وسُترفض مجتمعياً، خاصة أنها مخالفة لجميع الاتفاقيات الدولية والمعاهدات التي صادق عليها العراق».
أما المديرة التنفيذية في شبكة النساء العراقيات امل كباشي فأكدت خلال حديثها لـ»طريق الشعب»، ان «جميع منظمات المجتمع المدني اتفقت على رفض مقترح تعديل القانون، لكونه يدعو الى ترسيخ الطائفية وتشتيت وحدة القضاء».
وترى كباشي، ان «القائمين على تقديم مقترح تعديل القانون يجهلون قانون الأحوال الشخصية النافذ، وان الغاية من هذه المحاولات تشتيت المجتمع وسلب حقوق المرأة لا اكثر تحت غطاء ديني».
ووصفت كباشي مقترح القانون بـ»مثابة القنبلة الموقوتة التي تهدد الوحدة الوطنية وعلى كافة المستويات الشرعية والقانونية والإنسانية والاجتماعية وان المتضرر الأكبر من تعديل القانون هو النساء، خصوصا نحن في مجتمع تهيمن عليه العقلية الذكورية».
أما الباحثة الاجتماعية منى العامري فعلقت على الأمر قائلة إن «التعديلات الجديدة، امتداد لما طُرح سابقاً وهو محاولة أخرى من بعض القوى لتمرير القانون المثير للجدل»، مشيرة إلى أن «هذا الإصرار على تعديل القانون غير مفهوم، ويخلق طابعاً سلبياً عن عمل بعض النواب».
وترى العامري ان «التعديلات المقترحة لا تصب في صالح المجتمع العراقي بل هي وسيلة لتفكيك المجتمع وخلق جهات رديفة للمؤسسات الشرعية، وهذا لا يمكن أن يقبل به عقل أو منطق».
اعتراض في داخل البرلمان
فيما أكد عضو اللجنة القانونية النيابية، عارف الحمامي، وجود اعتراضات برلمانية على التعديل، مشيراً إلى أنّه ما زال قيد الدراسة والنقاش في البرلمان.
وقال الحمامي، إنّ «لجنتي المرأة وحقوق الإنسان النيابيتين اعترضتا على التعديل، والعمل مستمر من أجل الوصول إلى صيغة ترضي جميع الأطراف»، مؤكداً أن «جميع القوانين التي تواجه اعتراضات يتمّ التباحث حولها من أجل الوصول إلى حل».
وأضاف أنّ «قانون الأحوال الشخصية حساس للغاية ويحتوي على فقرات تمسّ المجتمع العراقي، ويطالب به الرجال والنساء، وبالتالي يجب أن يكون هناك توازن بين الطرفين ومعالجة الهواجس عبر إجراء التعديلات».
وأشار الحمامي إلى أنّه «في بعض الحالات التي تخصّ حضانة الأطفال، يكون الأب هو سبب المشكلة ومنحرفًا وغير جدير بالأطفال، والعكس صحيح أيضاً، وبالتالي يجب أن يكون للقاضي مرونة في تحديد الحالة».
ويتضمن التعديل الجديد للقانون إدخال الوقفين السني والشيعي في قضايا الخلع والتفريق، وهو ما اعتبره الرافضون للقانون ترسيخاً للطائفية في إدارة الدولة والقضاء، وأيضا ابتعاداً عن الدستور الذي نص على مدنية الدولة العراقية.