اخر الاخبار

جاء إعلان مفوضية الانتخابات، الخميس الماضي، عن بدء الدعاية الانتخابية، متأخرا، وفق ممارسات الكثير من المرشحين الذين باشروا حملاتهم قبل هذا الإعلان بكثير، مستغلين الملف الخدمي وكل ما يمكن توظيفه بطرق غير مشروعة من أجل الفوز بالمنافسة الانتخابية القادمة التي تشهد جدلا واسعا بشأن جدواها، في ظل انتشار هذا الانفلات وتوظيف المتنفذين إمكانيات الدولة لحملاتهم.

تجارة بهموم المواطنين

ويتوقع الكثير من المحللين والمتابعين للشأن الانتخابي، إن نسب المشاركة ستكون هذه المرة مهددة بعدما التفّت القوى السياسية المتنفذة ـ أمام أنظار الحكومة ـ على مطالب المنتفضين وسوفت قضاياهم الرئيسة، فيما لم تنجز الحكومة أهم وعودها، وهي كشف قتلة المتظاهرين ومحاسبة الفاسدين.

وفي مقابل ذلك أعلنت قوى سياسية واجتماعية عديدة عن إمكانية مقاطعتها الانتخابات، إذا ما بقي الوضع كما هو عليه.

وبرزت قبل الإعلان عن بدء الدعاية الانتخابية بأشهر، ظاهرة استغلال الملف الخدمي وتوظيف المتنفذين له من أجل حصولهم على الأصوات في الانتخابات المقبلة. وبما أن قانون الانتخابات الجديد قد حصر نشاط المرشح في نطاق ضيق لا يتجاوز حدود منطقته الجغرافية، كان على الكثير ممن لا يريد المنافسة الشريفة أن يجعل من الخدمات شعاره الأول، أي تحويلها إلى بطاقة تضمن له أصوات الناخبين، فيما لم يعد الحديث عن البرامج الانتخابية من وجهة نظرهم ذا جدوى، فالعلاقة بين النائب أو المرشح، والناخبين، يراد منها أن تكون علاقة زبائنية تتضمن شروط التصويت مقابل توفير بعض الخدمات هنا وهناك.

ويؤكد مواطنون في مناطق متفرقة من البلاد، قيام المرشحين ومنذ فترة بعيدة بطباعة الملصقات الترويجية حتى قبل أن يعرفوا أرقامهم التسلسلية التي أعلنتها المفوضية قبل أيام قليلة مضت.

ويتحدث عبد الله خالد، وهو مصمم طباعي وصاحب مطبعة في بغداد عن “توجه المرشحين لطباعة الكثير من البطاقات والملصقات الترويجية خلال الفترة الماضية دون الخوف من عواقب هذه المخالفات، التي يمكن أن ترصدها المفوضية”.

ويقول خالد لـ”طريق الشعب”، ان هؤلاء المرشحين “يأتون لنا ويعرفون تماما ماذا يفعلون، فهم يضعون عبارات مطاطية داخل التصاميم، فيها جانب دعائي غير مباشر لتجنب أي عقوبة قد تحصل”، مبينا أن “بعض التصاميم تكون على شكل شكر وتقدير للمرشح على قيامه بتعبيد أحد الشوارع أو فتحه أحد أنابيب المجاري. أي أنه يعلق لافتة من هذا النوع باسم المواطنين وكأنهم بادروا بذلك، وغير ذلك من الأمور المخجلة. فيما لم نشهد طباعة أي برنامج انتخابي واضح كما يحصل في بلدان كثيرة”.

تشويه الديمقراطية

ويقول الدكتور مهند حامد، المختص في مجال الإعلام، ان تشويها كبيرا تتعرض له العملية الديمقراطية الناشئة في العراق، بعدما أصبحت أغلب القوى السياسية تتجاهل البرامج السياسية، وتعمل على توجيه الرأي العام للانتخابات من خلال الخدمات الغائبة.

ويضيف حامد خلال حديثه لـ”طريق الشعب”، أن هذه الممارسات “ستعطي نتائجها الوخيمة مرة أخرى على أحوال البلد ما لم يرفض المواطنون المحرومون هذا السلوك. وهو أمر صعب الحدوث لأنهم يريدون توفير أبسط مستلزمات العيش اللائق كالشوارع المعبدة والمجاري ومياه الشرب، وهي لا تتوفر في غالبية الأوقات من قبل الدولة، وأصبحت ورقة انتخابية موسمية، يديرها المتنفذون الذين باستطاعتهم توظيف الجهد الهندسي والخدمي لبعض الدوائر المتلكئة وتجييرها لهم كدعاية انتخابية”.

خدمات مقابل الأصوات

وعلى صعيد ذي صلة، يؤكد الباحث في الشأن الانتخابي، دريد توفيق، ان قانون الانتخابات الجديد “يعزز استغلال المال السياسي انتخابيا، فالمتنفذون سيستخدمون أموالهم في دوائرهم الصغيرة، لتقديم المساعدات وشراء ولاء الفقراء، وسيشرفون عبر سطوتهم على المشاريع الخدمية التي تمثل أكبر منفذ لاستغلال المال العام وكسب رضا المواطنين”.

ويقول توفيق لـ”طريق الشعب”، إن اشراف أي نائب أو مرشح على اكساء شارع، او تقديم معونات اثناء الاقتراب من الانتخابات، وغيرها من الممارسات، هو “فساد فاضح”، داعيا إلى “قطع الطريق على الفاسدين ورفض هذه المساومات التي لا تهدف إلى بناء بلد وانما لشراء الذمم واستغلال تردي الخدمات التي وصلت الى هذا الحال، بسبب الجهات السياسية التي تقف خلفهم”.

ووفقا للناشط الشاب سجاد صبحي، فإن “هذه السلوكيات تضع الكثير من علامات الاستفهام على مصداقية نتائج الانتخابات المقبلة، لأن الأحزاب أو المرشحين الذين يملكون المال السياسي، يقومون بشراء الأصوات بهذه الطريقة، ما يجعل منافسة المرشحين النزيهين صعبة”.

ويضيف صبحي لـ”طريق الشعب”، أن الكثير من الناخبين “أصبحوا يقبلون بهذه الصفقة لأنهم لا يحصلون على الخدمات الا في مواسم الانتخابات، وهذا ما يضع دورا اضافيا على عاتق المفوضية والجهات المعنية بمحاسبة عدد ليس بالقليل من المرشحين على عدم التزامهم بحدود اللوائح الانتخابية وخرقهم لها من خلال استغلال المال العام”.

ويشدد المتحدث على ان “هذا السياق المشوه في العملية السياسية حوّل اهتمام المواطنين من السؤال عن مضامين البرامج الانتخابية للمرشحين الى ما الذي يمكن ان يقدموه على الصعيد الخدمي ولو بشكل مؤقت”، لافتا إلى أن “بعض المرشحين يقومون بسحب بطاقات الناخبين وتسليمها لهم قبل موعد الاقتراع بقليل، ويتم شراؤها بعدما اصبحت عتبة الوصول الى البرلمان، اقل من السابق بقليل”.