اخر الاخبار

هي إحدى رائدات الحركة النسوية في العراق وممن عملوا في رابطة المرأة العراقية. ولدت في مدينة عانة عام 1935 وسط عائلة عرفت بحبها للعلم والمعرفة والحس الوطني.

ويعود ذلك إلى ان السلطات العثمانية قتلت جد والدها عام 1904 وهو عبد الحميد الفقيه لوقوفه إلى جانب الحركة الوطنية المناهضة للاحتلال. كذلك جد والدتها المتعلم الذي يعود الفضل إليه في تأسيس ثانوية عانة، كما قام بتأسيس مكتبة وجعل من أحد بيوته أولى المدارس الابتدائية للبنات.

كان والدها الدكتور حكيم شريف من الرجال الذين عرفوا بثوريتهم وحب الوطن، حيث قام بإلقاء كلمة في الجموع المتظاهرة من الكادحين والطلبة في مدينة طويريج ضد النظام الملكي في خمسينات القرن الماضي، واستدعي من قبل مدير الشرطة وتم تحذيره وتهديده بالفصل من الوظيفة، فكان ردّه وبكل شجاعة، وهو الطبيب الذي حصل على شعبية كبيرة بين الناس: “لن تخيفني تهديداتكم.. حتى لو فقدت وظيفتي فذلك لا يعني شيئاً.. طالما حملت السماعة على صدري وخدمت شعبي، وأناضل من أجله ومن أجل تغيير ما هم عليه من واقع مؤلم ومرير”.

كانت دراستها الابتدائية في مدرسة تطبيقات دار المعلمين في الأعظمية، بعد انتقال الأسرة إلى بغداد، وحيث كان يعمل والدها في كلية الطب، وقد استأجروا داراً واسعة في منطقة الحيدر خانة وضم عوائل كل من توفيق وعزيز منير. وتابعت دراستها المتوسطة في مدينة الحلة لكون والدها انتقل إلى هناك. أنهت دراستها الاعدادية في ثانوية عانة، ونتيجة لتفوقها حصلت على بعثة دراسية في الجامعة الأمريكية في بيروت عام 1952. كان تخصصها في علوم الكيمياء حتى تخرجها عام 1956، وعادت إلى الوطن وعينت كمعيدة في كلية الهندسة (قسم الهندسة الكيمياوية - مختبر التربة).

نشطت اجتماعياً كمتطوعة في جمعية الهلال الاحمر، وتعرفت على الدكتورة نزيهة الدليمي وعملتا معاً في رابطة الدفاع عن حقوق المرأة. تزوجت من الدكتور محمد الجلبي عام 1963، والذي كان عضوا في لجنة محلية بغداد للحزب الشيوعي العراقي، ولم يكملا الاسبوعين من زواجهما وعادا إلى العراق قبل انقلاب شباط الأسود بيومين. سكنا في دارهما في (كرادة مريم). وحين اشتدت حملة الاعتقالات من قبل الحرس القومي ودوهمت البيوت وجرى تفتيشها ألقي القبض على زوجها والدكتور ابراهيم كبه الذي لجأ إليهم هرباً من الملاحقات والمضايقات. وبعد خمسة أشهر تمكنت من زيارته في مبنى الادارة المحلية بعد وساطة أجرتها والدتها وكان منهكاً من شدة التعذيب. قال لها: “لم أكن اعلم ان لدى الانسان طاقة هائلة من التحمل والقوة عندما يتعرض إلى التعذيب”. حيث حوّل الجلادون سُرّة الشهيد إلى منفضة للسكائر! واستلمت ملابسه الملوثة بالدماء لكي تغسلها، وحاول أن يشد من عزيمتها على مواصلة النضال في سبيل المبادئ التي آمن بها، والتصدي للقتلة والمجرمين. ونفذ به حكم الإعدام بعد فشل حركة حسن سريع.

اضطرت بحكم الأجواء البوليسية إلى الاختفاء في بيوت الاصدقاء والأقارب، ولم تمض أسابيع حتى تم اكتشاف أمرها وجرى اعتقالها في 20 شباط مع مجموعة من الرابطيات المناضلات وتم سجنهن في حمام أحد البيوت لمدة شهرين، ليطلق سراحها بعد وساطات عدة، وعلى إثر ذلك تم فصلها سياسياً لمدة 6 سنوات، وأُعيدت إلى الوظيفة عام 1969 مع مراقبة شديدة لتحركاتها.

عملت في صفوف الشبيبة العراقية والعالمية ونشطت في توجهاتها نحو تحرير المرأة من قيودها وما يحيط بها من عادات وتقاليد بالية، والتي كان المجتمع العراقي يعاني منها، وذلك عبر فعاليات الرابطة مع كثير من الرائدات امثال: بشرى برتو، وعميدة الرفيعي، وسافرة جميل حافظ، وسلوى زكو. ومثلت المرأة في مؤتمرات دولية مثل مؤتمر الشباب العالمي في فنلندا، في أواخر السبعينيات من القرن الماضي.

ومع اشتداد حملات القمع والمطاردة من قبل الأجهزة الأمنية وأزلام السلطة ضد الوطنيين، تم اعتقال والدتها (مقبولة أحمد) التي كانت متأثرة بها كثيراً لمواقفها الانسانية وبالأخص في رعاية عوائل المعتقلين السياسيين بعد انقلاب 8 شباط 1963، وتم الاستدلال على عنوان المنزل من خلال أحد عملاء الأمن، الذي أندس للعمل بين النساء، وكان بصحبتهم وأشار إليهم عن بعد. فما كان من المناضلة (أم سعد) الا الهروب مع وثائق كانت لديها والعبور إلى الجيران، وبعد تعذيب الوالدة بالكهرباء وهي بعمر متقدم عادوا بها إلى البيت بحجة انها ليست المطلوبة.

اختفت لمدة سنة في بيت سري حتى تم توفير هوية مزورة لها للعبور إلى سوريا بتاريخ 25 شباط 1979. في دمشق واصلت نشاطها بين صفوف النساء العراقيات، حيث التقيتها عدة مرات، كانت صامدة ومتحدية وذات إرادة قوية، بعدها سافرت إلى بيروت مع مناضلات أخريات للتدريب على السلاح وكان ذلك بداية الثمانينات، والتحقت بحركة الأنصار في كردستان العراق، إلى جانت مجموعة من النصيرات البطلات ممن ناضلن في ذرى الجبال، وبين الحين والآخر يتجولن بين القرى والارياف وهن بالزي الكردي لنشر الوعي بين النساء صحيا وسياسياً وحل مشاكلهم الاجتماعية.

عام 1984 سافرت إلى السويد وعادت مرة اخرى إلى الوطن لتشارك في مؤتمر الحزب الشيوعي العراقي الرابع اثناء العمل السري، وبعدها منحت عام 1985 زمالة دراسية إلى بلغاريا لإكمال دراستها في الدكتوراه تحت عنوان: “ تأريخ الحركة النسوية الديمقراطية في العراق “ وبعد تخرجها سافرت إلى ليبيا لتعمل في التدريس في جامعة ناصر، كان ذلك عام 1993 ولعدة سنوات.

في اعقاب التغيير في نيسان 2003، عادت إلى العراق لتساهم في بناء الوطن الذي دمرته الحرب والحصار الاقتصادي وتردي الاوضاع السياسية في ظل المحاصصة والطائفية وعادت للتدريس في جامعة بغداد وكانت محط اعتزاز الطلبة والاساتذة.

حضرت مؤتمرات الرابطة العراقية في بغداد، السادس والسابع والثامن والتاسع وكانت لها ملاحظاتها من أجل تحسين النشاط النسوي بين الجماهير، بالإضافة إلى متابعتها للفعاليات الثقافية لاتحاد الادباء والكتاب في العراق وكذلك المناسبات الوطنية. في عام 2015 اصيبت بجلطة دماغية افقدتها الحركة لثلاث سنوات، وتمت زيارتها من قبل وفود رابطة المرأة، وفي آخر زيارة لها في منزلها في شارع 62 استرجعنا ذكرياتنا ايام كنا في سوريا وبالأخص عندما كنت سكرتيرة لفرع رابطة المرأة العراقية والتحديات والمعوقات اثناء عملنا في اللجنة النسائية العربية للتضامن مع نضال الشعب الفلسطيني، وتذكرنا الرائدة الدكتورة نزيهة الدليمي يوم ركبت باص المصلحة وذهبت إلى وزارة الدفاع إثر طلبها من قبل عبد الكريم قاسم وبالتالي ليبلغها أنها أصبحت وزيرة للبلديات وقد فوجئت بذلك.

وقبل أن اودعها سألتني عن أبرز وآخر المستجدات للوضع في العراق، ونقلت لها بإيجاز عما يجري في البلد. فارقت الحياة في تشرين الثاني 2018، بعد صراع مرير مع المرض.

ستظلين خالدة في وجدان وذاكرة محبيك ومعارفك ورفيقاتك، وعهداً ان نواصل الدرب لتحقيق الاهداف التي ضحيت من أجلها وفي سبيل عراق تسوده العدالة والكرامة والحرية.

عرض مقالات: