الجمعة الماضية بلغ الانهيار ذروته في المنظومة الوطنية: انطفاء تام في عموم البلاد. وكالعادة وُضعت مبررات لذلك وأُزيح مسؤولون عن مناصبهم، لكن المشكلة لا تزال قائمة. خيمّ الظلام على  منازل المواطنين وشوارع المدن في أغلب المحافظات. تظاهرات عارمة لم تجن سوى مزيد من العنف، مزيد من الضحايا، مزيد من التقصير الحكومي. 

 

عاصمة الظلام

وعلى أثر الانهيار الحتمي في المنظومة الكهربائية، شهدت غالبية محافظات البلاد، تظاهرات حاشدة شملت قطع الشوارع واغلاق الدوائر الحكومية، احتجاجا على تردي تجهيز الطاقة، في ظل ارتفاع كبير في درجات الحرارة. 

وتداول مدونون صورا عبر مواقع التواصل الاجتماعي، تظهر العاصمة بغداد وهي تحتضن الظلام، بسبب انقطاع المنظومة الوطنية، ما عدا بعض المناطق التي تستخدم فيها المولدات الأهلية.

وروّج الكثير منهم وسم (#ماكو_كهرباء) تعبيرا عن معاناة المواطنين وغضبهم إزاء ما يحصل من تردٍ جسيم في الاحوال المعيشية، واستمرار نهج المحاصصة والفساد والإفلات من العقاب.

 

خسارة في انتاج مصفى الشعيبة 

وعلى أثر أزمة الطاقة، أعلنت شركة مصافي الجنوب، الجمعة الماضية، عن هبوط انتاج مصفى الشعيبة من مادتي زيت الغاز والبنزين، الى ما يزيد على النصف. 

وقال مدير هيئة انتاج مصافي الجنوب، سلمان هدار، ان المصفى شهد انطفاءً تاماً للتيار الكهربائي لساعات متواصلة، مشيراً الى ان عدم استقرار التيار الكهربائي  المزود للمصفى من المنظومة الوطنية تسبب بهبوط معدلات الانتاج.

حلول ترقيعية

حسن محمد، مواطن بصري، تحدث لمراسل “طريق الشعب” بشأن أزمة الكهرباء قائلا: “منذ سنوات عدة والكهرباء سيئة في العراق عموماً والجنوب خصوصاً، ورغم ان الازمة تتجدد سنوياً، الا ان الحلول التي تلجأ اليها الحكومات هي حلول ترقيعية مؤقتة لا ترقى الى مستوى انهاء المشكلة”.

اما المواطن سلام حسين، احد سكنة قضاء الزبير، فيرى أن “ازمة الكهرباء مرتبطة بصفقة سياسية، تديرها القوى المتنفذة لتنفيذ مخططاتها والحفاظ على مصالحها ومناصبها”. 

 

مقترحات لحل الازمة 

ونصح حيدر المياحي، مهندس مختص بالطاقة، صانع القرار الحكومي عبر “طريق الشعب” بالعمل على ايجاد بدائل لتوليد لتوفير الكهرباء، وعدم الاعتماد على استيرادها من دول الجوار. 

ويجد المياحي ان “اجواء العراق تعد ممتازة لانتاج التيار الكهربائي باستخدام الطاقة المستدامة (الطاقة الشمسية على سبيل المثال)، لحل جزء كبير من أزمة الكهرباء في حال العمل على تطبيقها واستخدامها بالشكل الصحيح”.

كما يشير الى امكانية انتاج التيار الكهربائي باستخدام المصادر النفطية.

 

الكاظمي: الحلول تتطلب سنوات!

وقال رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، ان حكومته “تدفع ثمن السياسات الخاطئة والترقيعية وهدر المال لمدة 17 سنة في كل المجالات وخصوصًا الطاقة”.

وتساءل الكاظمي خلال اجتماع طارئ عقده أول من أمس بحضور المحافظين، واعضاء خلية الأزمة الطارئة لـ”معالجة الكهرباء”: “لماذا شيدنا طوال 17 سنة محطات توليد الطاقة الغازية، مع عدم قدرتنا على توفير الغاز لها؟ ومع عدم وجود خطة موازية لإنتاج الغاز، بل وحتى عدم وجود خطة لتنويع مصادر استيراد الغاز إذا تطلب الأمر؟ من يتحمل مسؤولية هذا الخطأ الجسيم؟”.

وقدم وزير الكهرباء ماجد حنتوش، الثلاثاء الماضي، استقالته بعد تردٍ تام في ساعات توفير الطاقة الكهربائية، مع ارتفاع درجات الحرارة.

ويؤكد العديد من المتابعين والمختصين أن فشل العراق في تلبية احتياجاته من الكهرباء، يعود لأيد خفية تعبث بمقدراته، وإرادات خارجية وداخلية، عطلت استثمار الغاز المرافق لاستخراج النفط. فيما عدوا أن مشكلة الكهرباء أكبر من الوزير نفسه، لأنها متداخلة وتشترك فيها وزارتا النفط والمالية والأجهزة الأمنية، فضلا عن تبعات الصراعات التي رهنت استقرار تجهيز الطاقة الكهربائية بالشريان الإيراني. 

وامتعض الكثير من المدونين في وسائل التواصل الاجتماعي الحلول الترقيعية التي تقوم بها الحكومة، مؤكدين ان التصريحات الحكومية تتكرر كل سنة، وان موضوع الكهرباء لا يحل الا بتغيير نهج وادارة الدولة التي يتقاسمها المتحاصصون.

ومنذ عام 2008، وعدت وزارة النفط بتوفير الغاز في العام 2013 لكل المحطات، وعلى هذا الأساس ذهبت وزارة الكهرباء باتجاه التعاقد للحصول على محطات غازية، لا تشتغل اليوم الا باستيراد الغاز من إيران.

 

نهج كارثي

من جانبه، عزا الباحث في الشأن الاقتصادي، أحمد خضير، تردي الكهرباء إلى “السياسات الحكومية الخاطئة التي تسببت بتفاقم الأزمة واستهلاك مليارات الدولارات، دون فائدة تذكر”.

وأوضح خضير لـ”طريق الشعب”، أن “الطاقة العراقية أصبحت بوضع خطير من خلال الاعتماد على الغاز المستورد لسد العجز الحاصل في مصافي النفط، على الرغم من أن البلد قادر على تجاوز تلك العقبة إذا ما توفرت الارادة الوطنية الحقيقية لوضع أجندات فنية لتطوير مرافق الطاقة”، لافتا إلى أن “استهلاك موارد الدولة في ظل الضائقة الاقتصادية التي يعيشها العراق في موضوع استيراد الغاز، يضيف الكثير من الأعباء ويثقل موازنة البلاد المثقلة بالديون وسوء التخطيط والإنفاق. كما إن الجهات المعنية بهذا الملف، لا تعبأ بخطورة ملف أمن الطاقة وضرورة الالتفات إليه”.

محافظات تخطط للانفصال كهربائيا

وطرح محافظ ذي قار أحمد الخفاجي، السبت، ورقة لحل أزمة الكهرباء في المحافظة.

وتتضمن الورقة التي نشرها الخفاجي على منصته في “فيسبوك”، محورين و”خطة استراتيجية”.

ويتضمن المحور العام في الورقة “ابعاد وزارة الكهرباء عن المحاصصة الحزبية، واسنادها إلى شخصية مهنية مستقلة مشهود لها بالاستقلالية والنزاهة والكفاءة، مع اختيار كادر متقدم لها من الكفاءات المستقلة والنزيهة”.

أما المحور الخاص، أو “الخطة الطارئة لذي قار”، فتتضمن “رفع حصة المحافظة من التجهيز الى ١٨٠٠ ميكا واط، وتجهيز ذي قار بالمحولات عدد ١٠٠٠ مع ملحقاتها، وسد الاحتياج من الاعمدة والأسلاك، إضافة إلى تجهيزها بالآليات المتخصصة للصيانة وتجهيز أصحاب المولدات الخاصة بالوقود باسعار مدعومة وفتح ورشة مجانية لتصليح المولدات الأهلية المتعطلة مجاناً، فضلاً عن القطع المركزي على خطوط المحافظة من بغداد، وتخويل سيطرة المنطقة الجنوبية للقيام بالمهمة”.

ودعا محافظ ذي قار، ضمن ما أسماه بـ”الخطة الستراتيجية”، إلى “بناء محطة توليد بقدرة انتاج ٢٥٠٠ ميكا واط، وفصل كهرباء المحافظة عن الشبكة الوطنية بعد الوصول الى الاكتفاء الذاتي من الانتاج”.

وفي وقت سابق، صرّح محافظ البصرة أسعد العيداني بفصل منظومة الكهرباء الخاصة بالمحافظة عن المنظومة الوطنية العامة، في ظل تردي الكهرباء ونقص التجهيز في عموم العراق.

 

حلول آنية

من جهته، كشف مستشار رئيس الوزراء، حسين علاوي، السبت، عن “الحلول” التي تسعى حكومته لاعتمادها بشأن الطاقة الكهربائية.

وقال علاوي إن الحكومة “تبحث ملف الربط الكهربائي مع دول الخليج والأردن ومصر لوضع حد لأزمة الكهرباء”، مبيناً أن “ثمرة هذه المباحثات قد تكون خلال الأشهر المقبلة”.

وأضاف أن “بغداد تعمل بالفعل على تطبيق عدة إجراءات لمواجهة الأزمة، من بينها استخدام الطاقة الشمسية”.

وبشأن استيراد الكهرباء من إيران والديون التي بذمة بغداد، أوضح حسين علاوي أن “استيراد العراق للكهرباء من إيران انخفض لعدة أسباب، أبرزها الظروف الداخلية الخاصة بإيران”.

وتابع أن “الشركة الإيرانية تريد أموالها، لكن ما يمنعنا هو العقوبات الأميركية المفروضة على طهران”.

عرض مقالات: