على الرغم من الردود السابقة للمحكمة الاتحادية، على جميع القرارات التي طعنت بالمادة (57) من قانون الاحوال الشخصية رقم (188) لسنة 1959، يواصل متنفذون حملات المطالبة بتعديل المادة، وسلب حضانة الأطفال من الامهات ومنحها إلى الآباء دون الأخذ بالاعتبار مصلحة المحضون.
مواطنة تشكو
وتقول المواطنة ندى الجبوري بأنها عاشت عرضة للتعنيف المستمر من قبل زوجها، الذي حرمها من إكمال الدراسة والعمل، وحدد دورها بتأدية الواجبات المنزلية، في ظل الفقر والحرمان الشديدين اللذين كانت تعاني منهما معه.
وتضيف ندى لـ»طريق الشعب» أن «الحياة البائسة أرغمتني على اختيار الانفصال والتنازل عن كامل الحقوق الزوجية باستثناء حضانة أطفالي. وافق زوجي على طلب الانفصال إلا أنه وبعد أن تم ذلك راح يحاربني لسلب حضانة أطفالي مني، عبر الإساءة لسمعتي بسبب أن طبيعة عملي في أحد المراكز التجارية ينتهي عند الساعة 12 ليلا».
وتشير إلى إنها اختارت «العمل المسائي لأتمكن خلال نهار اليوم من تلبية متطلبات أطفالي الأربعة ومتابعة واجباتهم المدرسية، خاصة وأن والدهم عاجز عن دفع النفقة لأطفاله».
القضاء ينصف المرأة
وتضيف بأن «القاضي وبعد الاستماع للأسباب التي اضطرتني للعمل حتى ساعات متأخرة من الليل وبعد أن رأى بأن أطفالي يحققون علامات جيدة في الدراسة، قرر رد دعوة الحضانة ووجه بفرض نفقة الأطفال على الأب رغم عدم مطالبتي بها».
في هذا السياق، تعيش الناشطة غزل خالد الخزعلي، وهي معاونة مدير مدرسة، حالة قلق مستمرة من أن يمضي مجلس النواب بتعديل قانون الأحوال الشخصية النافذ، وتقليص حضانة الأم لطفلها، وفقاً لما تطالب به الأحزاب المتنفذة بين حين وآخر.
صراع مستمر
وتقول في حديث خاص لها مع «طريق الشعب» إنها دخلت هذا الصراع النفسي منذ عام 2015، حين انفصلت عن زوجها بعد ثلاثة أشهر فقط من وضعها مولودها الوحيد، وقد حظيت حينها بقرار قضائي منحها حق الحضانة.
وتشير غاضبة إلى الحملات التي يقوم بها بعض الآباء المطلّقون لتقليص مدة حضانة طليقاتهم لأطفالهن: «لقد تحول الأمر إلى تجارة، فبعض الناشطين في وسائل التواصل الاجتماعي يجمعون مبالغ من آباء يرغبون بتغيير القانون، ويحدث ذلك كل أربع سنوات مع بدء أي دورة انتخابية جديدة».
التغيير على حساب الطفل
وتعتقد غزل أن إجراء أي تغيير في سن الحضانة سيكون على حساب مستقبل الأطفال، لأنهم «سيحرمون من أمهاتهم».
وتصف الخزعلي الحملات المستمرة بـ»حرب يشنها بعض الرجال المطلقين ضد طليقاتهم، بقصد الانتقام والتَخلص من النفقة التي تفرضها المحكمة على الرجل، على الرغم من أنها لا تتجاوز 175 ألف دينار، التي لا تكفي حتى لزيارة الطبيب لمرة واحدة».
غزل لا تكتفي بالقلق والخشية من تعديل القانون، بل تعمل جاهدة لمواجهته، من خلال مشاركتها في مظاهرات عديدة نظمتها بعض منظمات المجتمع المدني خلال السنوات الأخيرة، ورافقت ناشطات أخريات في مقابلات أجرينها مع شخصيات برلمانية لتأكيد حق الأمهات المطلقات بالحضانة لغاية سن البلوغ أو منح الأطفال حق الاختيار عند بلوغهم سن 15 سنة كما هو معمول به حالياً بموجب قانون الأحوال الشخصية العراقي النافذ.
تواصل غزل حديثها بنبرة حزن متسائلة «هل الأمهات معامل، ينجبن الأطفال، ويبقون تحت رعايتهن لسنتين أو سبع سنوات كما يريد بعض الأحزاب، وبعدها يتم تقديمهم كهدايا لأباء لا يستحقون، لأن معظمهم لا يسألون أصلاً عن الأطفال خلال فترة حضانة الأم المطلقة والبعض منهم بالكاد يدفع النفقة، أين العدالة في هذا؟».
إجراءات معقدة
ثم تضيف باستياء أن «ما يزيد الأمر صعوبة بالنسبة إلى النساء المطلقات الحاضنات للأطفال، عدم منح القانون الحق بمراجعة الدوائر الحكومية لاستخراج البطاقة الموحدة أو جواز السفر إلا بوجود الأب»، وتتساءل مرة أخرى “كيف سيكون حال الأم إذا تم تعديل القانون؟».
المحكمة ردت جميع القرارات
لكن للقاضي هادي عزيز رأي أخر، حيث يشير إلى أن الهدف من المادة (57) يكمن في تأمين مصلحة الطفل المحضون.
فيقول لـ»طريق الشعب» إن «المحكمة الاتحادية سبق وعملت على رد جميع القرارات التي طعنت في هذه المادة، وبذلك لا يجوز التعديل عليها سواء أكان التعديل بصورة كلية او جزئية».
وبخصوص ما يجري من مطالبات يرى القاضي «إنها ردود افعال ناتجة عن عدم الدراية بالإجراءات القانونية، خاصة وأن نقطة الخلاف الوحيدة حول المادة هو أن هناك شعورا من قبل الأب بأن أحكام المشاهدة التي تنص عليها المادة غير مجزية له».
زيادة ساعات المشاهدة
بدورها، تفيد الناشطة واستاذة القانون الجنائي د. بشرى العبيدي أن «مطالبات التعديل على المادة (57) تستهدف اشعال الفتنة، وان هناك مجموعة من الآباء يعتقدون أن القانون حرمهم من حق التواصل مع أولادهم والمشاركة في تربيتهم».
وتضيف «وتقديرا لمشاعر الآباء اتجاه أبنائهم تمت زيادة عدد ساعات المشاهدة للآباء على أن تكون بعيدة عن قاعات المحاكم لمراعاة مشاعر الأطفال والآباء معا».
وتذكر في تصريح اطلعت عليه «طريق الشعب» أن مجلس القضاء الأعلى وجه بزيادة عدد المشاهدات إلى أربع مرات في الشهر الواحد، ولمدة 9 ساعات في كل مرة (من 9 صباحاً حتى 6 مساءً)، على أن يتم الاتفاق حول مكان المشاهدة بين الطرفين».
مطامع سياسية ومادية لا أكثر
وبحسب العبيدي، فإن «القرار الجديد أنهى حجة الرجال، لكنهم مازالوا ممتعضين» وهي ترى أن سعيهم في الأصل لم يكن من أجل زيادة أوقات بقائهم مع أطفالهم بل من أجل مطامع سياسية ومادية بعيدة عن مصلحة الطفل المحضون».