تشتد باستمرار معاناة العمال في معامل الطابوق، سواء الموجودة بمنطقة النهروان في بغداد او العاملة في المحافظات، والتي لا تختلف ظروفها كثيراً عن مثيلتها   في بغداد، فهي جميعاً تتقاسم الظروف الصعبة ذاتها، حيث غياب إجراءات السلامة المهنية، والموت البطيء للشغيلة، بعيداً عن انظار الناس والجهات الرقابية.

وبسبب هذه المعاناة، نظّم وفد من الاتحاد العام لنقابات عمال العراق، الثلاثاء الماضي، زيارة الى معامل طابوق النهروان، رفقة وفد نقابة البناء في الاتحاد ومراسل جريدتنا، وأجرى عدداً من اللقاءات مع العمال، للتعرف الى المعاناة التي يكابدونها وكشف حجم المخاطر التي يواجهونها، والاستماع الى مطالباتهم وامكانية اتخاذ إجراءات سريعة وفعالة تحمي ارواحهم التي لا يعيرها ارباب العمل اي اهتمام.

 الحاجة الى مفتشين

وتقول عضو المكتب التنفيذي للاتحاد العام لنقابات عمال العراق، كوريا رياح، أن «هذه الجولة الحادية عشرة لهؤلاء العمال الذين يفتقرون لأبسط معايير السلامة المهنية، ولطالما تتكرر الحوادث التي تكون نهاية بعضها مأساوية، كما حدث في الحلة قبل ايام، حيث انهار احد الافران من تحت ـ الشاعول ـ  وهو العامل المسؤول عن ايقاد النار في الفرن، وتوفي بشكل مؤلم بعد أن عجز الجميع عن اسعافه او تقديم العون له، وتم جمع رماده لاحقاً».

وتضيف قائلة لـ «طريق الشعب»، انهم يهدفون من خلال هذه الجولات الى «رفع وعي العمال، اضافة الى تقديم المساعدة، مثل الملابس و الرعاية الطبية والفحص، ويرافقنا ايضا طبيب للسلامة المهنية للتثقيف الصحي»، مبينة ان «لجان وزارة العمل ـ قسم مكاتب التفتيش - لا تقوم بدورها بالشكل المطلوب، علماً ان نقابتنا قد نبّهت في زيارات عديدة للوزارة المعنيين الى المخاطر في معامل الطابوق لكن الاستجابة ضعيفة».

واشارت الى ان «اصحاب المعامل ذوو نفوذ ولديهم ارتباط ببعض الشخصيات المتنفذة، كما لا يوجد في كل العراق سوى خمسين مفتشاً،  بينما نحن نحتاج الى ما لا يقل عن 300 او اكثر، ومهمة هذا المفتش تكمن في الحرص على متابعة معايير العمل، ومدى الإلتزام بالسلامة المهنية و طبيعة أماكن العمل وشمول العمال بالضمان الاجتماعي، ووجود المراكز الصحية لعلاج العمال».

وتتابع النقابية رياح بالإشارة الى ان دورهم يشمل «الزيارة والتوعية والمساعدة بحسب المستطاع، لكن نحن نتعرض للتهديد، ويتم اتهامنا بالعمالة وغيرها من الأساليب، وهذا ما يجعل دور النقابات في هذه المعامل محدودا بسبب الخوف، والحال ذاته بالنسبة للعامل الذي لا يمكنه المطالبة بحقه بسبب الخوف من التسريح. فمن المؤسف ان يبقى الحال هكذا بعد عقدين على التغيير، وما يؤسفنا اكثر هو  الوجهة غير الصالحة للعمال، والتي لا تتوفر فيها البيئة الملائمة وحتى السياسات تسير ضد العامل وتهمش حقوقه، بمباركة اصحاب النفوذ في السلطة الذين يمتلكون معظم هذه المعامل».

 مخاطر كبيرة

الناشط العمالي، يوسف غازي، الذي يعمل في هذه المهنة منذ 15 عاما، حيث دخل الى هذا المجال منذ نعومة اظفاره ليعين اسرته متخلياً عن احلامه بإكمال دراسته، والذي تبنى وسط الظروف الصعبة والخطيرة، التي يعيشها زملائه العمال، الدفاع عن حقوقهم فتحدث مع «طريق الشعب»، عن ابرز اوجه المخاطر التي تعترضهم قائلا: ان «الخطورة تتفاقم حين يرفع الشاعول درجة الحرارة الى مستويات عالية وايضا في حال ان الفرن الطيني كان بحالة غير جيدة ولم يشهد اعمال صيانة وادامة ما يؤدي الى انهياره. ينهال الطابوق على رؤوسنا في بعض الاحيان ونحن نعمل، ويتسبب لنا بإصابات بليغة، حيث ان ارباب العمل لا يوفرون عدة السلامة والحماية مثل الخوذ وغيرها، وهذا زاد من حالات الوفيات بين صفوف العمال. وفي فترات الصيف تتنوع الإصابات ايضا بسبب العمل تحت أشعة الشمس الحارقة وفي ظروف صعبة جداً».

ويضيف العامل قائلاً ان «هذه المخاطر كلها لا تستحق مردودها المالي، فالأجور متدنية والعمال بدون ضمان صحي او اجتماعي، فيما تغيب إجراءات السلامة المهنية، التي تحمي العمال من هذه المخاطر، علماً ان العمال بحّت أصواتهم وهم يطالبون ارباب العمل بتوفيرها، ولكن لا حياة لمن تنادي».

 فساد فاضح

الى ذلك، يقول العامل علي ستار، «ان اللجان الحكومية والوفود التي تزور المعامل باستمرار، على اطلاع بكل ما يحدث ويجري مع العمال، لكن يتم شراء صمت اللجنة بمبلغ رمزي يتراوح بين 250 ـ 500 الف دينار، وهذا هو الحال منذ زمن، فلم يتغير شيء».

ويضيف على في حديثه مع «طريق الشعب»، قائلا ان «العمال لديهم خوف من نواح عديدة فهم اما يتعرضون للاعتقال او يقمعون او يتم تسريحهم، في حال فكروا في الاحتجاج او المطالبة بحقوقهم التي تمثل الحد الادنى من الحقوق التي ألزم القانون العراقي ربّ العمل بتوفيرها، لكن جشع هؤلاء أكبر بكثير من أن ينفقوا اثمانا بسيطة لحماية حياة عمالهم».

ونوه الى ان هناك الكثير «من اصحاب المعامل يتاجرون بشكل غير مشروع، حيث ان المعمل متوقف عن العمل، ولكنه يتاجر بمادة النفط الاسود التي يشتريها من الدولة بسعر رمزي، ويبيعها في السوق السوداء. وبالطريقة ذاتها يتم شراء صمت اللجان الحكومية، ويتسلم صاحب المعمل الواحد حوالي 8 صهاريج نفط مقابل 3 ملايين دينار».

ويزيد ستار على حديثه، ان «ابرز ما نرفعه من مطالب اليوم هو تحسين حياة العامل وتوفير إجراءات السلامة المهنية والمراكز الصحية ومستشفى واحد على الاقل، حيث علينا نقل العامل عند أية اصابة او اي عارض صحي، الى مستشفيات داخل بغداد، والتي تبعد كثيراً عن معامل الطابوق».

ويخلص الى القول ان «على المعنيين الالتفات الى معاناة عمال معامل طابوق النهروان، ومعالجة تردي اوضاعهم على كافة المستويات، والاصغاء الى هدير صوتهم تجنباً لغضبهم مستقبلاً، فمهما طال الصمت لا بد للعمال هنا ان يتوحدوا يوماً ويرفعوا المعاناة عن انفسهم بايديهم».

عرض مقالات: