اخر الاخبار

لا تزال ساحتا التحرير والنسور، وسط العاصمة بغداد، تغصّ بمئات المحتجين، بينما تثير صافرات إنذار عجلات الإسعاف، ضجيجاً كبيراً وهي بالكاد تشق طريقا الى أقرب مستشفى لنقل الجرحى: العنف لا يزال مستمرا. فدماء المحتجين، الناشطين لم تنفك عن رسم عبارة: “من قتلني..؟”، ولا أحد يجيب على هذا السؤال من تشرين 2019 الى أيار 2021.

ويبدو أن المتظاهرين لم يلمسوا من الوعود الحكومية شيئا، وما زالت دماء الشباب  تنزف في ميادين الاحتجاجات. كما أن مسلسل الاغتيالات بقي شغالاً. وبالتالي فإن سياسة التعاطي مع ملف الاحتجاجات لم يتغير، بحسب نظر الكثير من الناشطين.

 

استمرار مسلسل القتل

ما أثار المواطنين على مدار الأشهر الماضية، هو استمرار عمليات الاغتيال رغم تضاؤل حدة الاحتجاجات، بسبب جائحة كورونا. فيما استمرت الجماعات المسلحة بقتل الناشطين والصحفيين، لتعود مقابل ذلك التظاهرات، احتجاجا على التمادي بالقتل وعجز الحكومة التام عن الإيفاء بوعودها ، في ظل جوٍّ يسوده طابع الإفلات من العقاب، في كل مرة.

تقول بلقيس والي، الباحثة في قسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا والمختصة بشؤون العراق في منظمة هيومن رايتس ووتش، إنه “في حال لم تكن السلطات العراقية قادرة على اتخاذ خطوات عاجلة لوقف عمليات القتل خارج نطاق القضاء ، فإن مناخ الخوف الملموس الذي خلقته سيحدّ بشدة من قدرة أولئك الذين كانوا يدعون إلى التغيير، على المشاركة في الانتخابات البرلمانية المقبلة”.

وتضيف والي في مقال مطول، طالعته “طريق الشعب”، إن المتظاهرين في أواخر عام 2019 “كانوا يطالبون بمزيد من الإجراءات الحكومية لكبح الفساد وضمان الوصول الكافي للكهرباء والمياه والوظائف، وهم سلميون في الغالب. لكن القوات المسلحة في بغداد وأجزاء أخرى من العراق استخدمت الذخيرة الحية لاستهدافهم، بل واختطفت واعتدت وقتلت منظمي الاحتجاجات، ودفعت أولئك الذين ما زالوا في الشوارع إلى المطالبة بالمساءلة عن قمع القوات الأمنية”، مبينة أنه “وبالرغم من نظر بعض المراقبين بيأس إلى ما جرى، خصوصا مع حصيلة شهداء كبيرة جدا، إلا أن آخرين كثيرين يعتقدون أن الحركة الاحتجاجية قدمت انجازات كبيرة”.

 

فشل الحكومة الحالية

من جانبه، يؤكد الناشط في الاحتجاجات والحقوقي أمير لفتة، أن المليشيات المسلحة تستهدف ـ وبحرية تامة في عمليات الخطف والقتل ـ الشباب الذين ينشطون في قيادة التظاهرات. فيما تخلت الحكومة عن وعودها بالكشف عن هؤلاء المجرمين. ولم تقدم أي مجرم إلى العدالة.

ويشير لفتة خلال حديثه لـ”طريق الشعب”، إلى أن “رئيس الوزراء أعلن بعد توليه المنصب، تشكيل لحنة للكشف عن قتلة المتظاهرين، إلا أن لجنته لم تظهر أية نتيجة مهمة، انما زاد القتل وتمادى حملة السلاح المنفلت، بشكل أكبر من دون أي رادع حكومي”.

ويلفت أيضا إلى أن الحال وصل بالقتلة إلى “تنفيذ عملياتهم بالقرب من النقاط الأمنية، وأمام كاميرات المراقبة، من دون أي خوف من العواقب، وهذا ما يؤكد أن الحكومة غضت البصر عنهم، لدواعٍ سياسية معروفة تحمي هؤلاء المجرمين، وتوفر لهم الاجواء المناسبة للقتل، ولذلك أصبح الجميع يشكك في أهمية الانتخابات البرلمانية القادمة، وفي قدرتها على تقديم أي بديل حقيقي”.

وبالعودة إلى الباحثة والي، فإن “أقوى رسالة للإفلات من العقاب كانت تلك التي أرسلها أولئك الذين قتلوا الدكتور هشام الهاشمي، أحد أعضاء النخبة السياسية في بغداد والحليف المقرب والمستشار لرئيس الوزراء، في يوليو/ تموز 2020، على الرغم من تعهد الكاظمي بمحاسبة قتلة الهاشمي، حيث قال: (نتوعد القتلة بملاحقتهم لينالوا جزاءهم العادل)، لكن الجريمة مرت بلا عقاب”. 

 

انتخابات مهددة 

وبحسب الباحث الأكاديمي في الشأن السياسي، أحمد التميمي، فإن جهات سياسية داخل البرلمان ـ لم يسمها ـ “متورطة بملف الاغتيالات، وتقوم بحماية الجهات المسلحة الخارجة عن القانون، لأنها تابعة إلى أجنداتها”، معللا ذلك بأنها “تريد أن تدفع الجميع إلى مقاطعة الانتخابات، احتجاجا على استمرار القتل من أجل الاستحواذ على القرار السياسي. وفي الواقع فإن هذا الأمر حقيقي، وهو بمثابة إشكالية عميقة في جذور نظام المحاصصة المأزوم”. 

ويقول التميمي لـ”طريق الشعب”، إن “جهات وأطرافا معنيّة بالاحتجاجات أعلنت مواقف شديدة بشأن المشاركة في الانتخابات المرهونة بايقاف نزف الدم والكشف عن القتلة، أبرزها تعليق الحزب الشيوعي العراقي مشاركته احتجاجا على هذه المشاكل الأمنية التي تهدد أي عملية ديمقراطية”، داعيا إلى “توحيد مواقف القوى الوطنية المعنية بهذا الشأن، خصوصا وأن هناك أحاديث ولغطا كثيرا يدور عن اقتلاع نظام المحاصصة الطائفية من جذوره، وبأي ثمن يمكن، بعدما أثبتت قوى الفساد عدم استعدادها للقيام بأية إصلاحات، بل وتمادت بالقتل، وأصبحت تُقارن ببشاعة النظام الدكتاتوري السابق من حيث سهولة الإقدام على القتل، وعدم الاهتمام بمصير الوطن”. 

وحتى الأيام الأخيرة الماضية، وعلى الرغم من الهدوء النسبي في الأوساط الاحتجاجية، إلا أن جريمة اغتيال الناشط إيهاب الوزني في محافظة كربلاء، جاءت مدوية وبمثابة تحدٍ كبير لكل العراقيين الذين يريدون إصلاح النظام السياسي. فيما تعرض الصحافي أحمد الحسين، إلى محاولة اغتيال نجا منها بأعجوبة في محافظة الديوانية.

وتصاعدت في الآونة الأخيرة، مواقف كثيرة بشأن الجدوى من العملية الانتخابية في ظل عمليات القتل والخطف والانفلات الأمني، الذي وصل إلى ذروته. بينما تقف الحكومة متفرجة على ما يجري.

ودعا ما يقارب 17 تياراً ومنظمةً منبثقةً عن الحركة الاحتجاجية بشكل رسمي إلى مقاطعة الانتخابات المبكرة او تعليق المشاركة فيها، في خطوة يراد منها الضغط باتجاه تعديل الأوضاع وتقديم القتلة إلى العدالة.

 

تظاهرات جديدة وعنف مستمر

في ظل دوامة الخوف هذه، استجاب الاف المواطنين إلى دعوة 25 أيار، للضغط على الحكومة، عبر الحراك الاحتجاجي، لاستكمال التحقيق في عمليات القتل، التي وعدت السلطة بمحاكمة مرتكبيها.

وأغرق ناشطون ومواطنون، منصات التواصل الاجتماعي بالأسئلة عن قتلة زملائهم، مطلقين على مواقع “تويتر” و “فيس بوك” وسم “من قتلني؟”. ونشروا أيضاً على نطاق واسع صورة تضم مجموعة من أبرز الناشطين.

وبعدما انطلقت التظاهرات بشكل مدوٍّ، لم يسلم المحتجون من نيران القوات الأمنية والجهات المسلحة، فسقط ـ حتى لحظة إعداد هذا التقرير ـ شهيدان والكثير من الجرحى، فيما تعرض بعض المتظاهرين إلى محاولات اغتيال وسط ساحة التحرير، من قبل أشخاص يحملون السكاكين والأدوات الحادة. بحسب منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي

عرض مقالات: