حلّ أمس السبت اليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة، وقد مرت هذه المناسبة في ظل واقع مأساوي تعيشه المرأة العراقية. لا شيء قابل للتغيير سوى الأرقام التي ترصد الانتهاكات، والتي حافظت على وتيرة ارتفاعها في ظل غياب أية تشريعات قانونية تحمي المرأة من العنف وتنصفها.

 وبرغم أن الدورة البرلمانية الحالية شهدت حضورا نسويا هو الأعلى من الدورات السابقة إلا ان دورا محوريا لهن في هذا الاطار لا يكاد يذكر، عدا حرصهن على خدمة وتمثيل وتحقيق مصالح كتلهن، ففي ظل غياب الرادع الحقيقي والقوي تبقى المرأة العراقية ترزح تحت واقع مأساوي تتعدد فيه اشكال العنف.

 إحصائيات

وعن الأرقام التي تتعاظم كل عام، اوردت دائرة العلاقات العامة في مجلس القضاء الأعلى في وقت سابق، إحصائية عن معدلات العنف الأسري في ما يخص الأطفال والنساء وكبار السن خلال عام 2021 -2022 مسجلة تصاعدا في عدد دعاواها لا سيما خلال فترة اجتياح جائحة كورونا وما بعدها.

وجاء في الإحصائية، أن “المحاكم سجلت خلال عام 2021 وهو العام الذي تفشت فيه جائحة كورونا بشكل كبير (1141) دعوى عنف أسري ضد الأطفال، وكان لـمحكمة استئناف بغداد الكرخ النصيب الأكبر بـ(267) دعوى، بينما كان عدد دعاوى العنف التي تخص النساء (18602) دعوى، في حين بلغت دعاوى تعنيف كبار السن (2622) دعوى، سجلت محكمة استئناف بابل (426) دعوى منها.

وتشير الإحصائية للنصف الأول من 2022 الى أن “عدد دعاوى العنف الأسري بلغ (10143) دعوى توزعت ما بين (500) دعوى عنف ضد الأطفال، و(7947) دعوى تعنيف نساء و(1696) دعوى خاصة بتعنيف كبار السن”.

 حماية حق النساء في الحياة

وفي هذه المناسبة، أصدرت رابطة المرأة العراقية بيانا دعت فيه الى حماية المرأة عبر إيجاد تشريعات قانونية تسند ذلك، والى تشريع قانون العنف الاسري الذي اضحى تشريعه ضرورة مُلّحة للنساء والفتيات مع اتخاذ اجراءات وقائية من الاستغلال والامتهان وتمكينهن من الوقوف بوجه الممارسات الخاطئة التي تعمل على سلب حياتهن وكرامتهن.

وشددت الرابطة في بيانها الذي ورد لـ”طريق الشعب”، على ضرورة تكثيف وتوحيد الجهود للتصدي للعنف الذي تواجهه النساء والفتيات بكل أشكاله ومظاهره، ومواصلة العمل التطوعي لمضاعفة حملات التوعية بالحقوق الإنسانية العادلة للمرأة، والحد من نهج الإقصاء عبر الضغط على كافة الجهات الرسمية وذات العلاقة، وعدم افلات مرتكبي جرائم العنف ضد المرأة من العقاب، لإنهاء جرائم القتل بذريعة غسل العار ومنع زواج القاصرات وغيرها من المظاهر التي تدفع نحو تدمير المجتمع.

ودعت الرابطة الحكومة ومجلس النواب إلى “ضرورة انفاذ التشريعات القانونية للحد من الانتهاكات والتمييز والعنف لضمان كرامة المرأة وحماية حقوقها ومنها قانون مكافحة الاتجار بالبشر وقانون العمل، ونشر الوعي بحقوق المرأة وإظهار اهمية دورها ومشاركتها في كافة المجالات وإدراجها ضمن المناهج الدراسية والبرامج التلفزيونية لخلق بيئة اجتماعية داعمة ومساندة”.

واكدت على ضرورة “عدم التجاوز على مكتسبات المرأة والحد من محاولات الإخلال بقانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959، لما يتضمنه من نصوص تحمي الحد الممكن من الحقوق. كما نطالب بالإسراع في تشريع قانون الحماية من العنف الأسري، ومتابعة وضع آليات حقيقية للتنفيذ والحماية والوقاية”.

وشددت في دعوتها على أهمية “مواءمة القوانين العراقية مع المواثيق الدولية التي صادق عليها العراق والمباشرة بإلغاء المواد التي تكرس العنف والتمييز في بعض مواد قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 مثل المواد 398 و41 و409 كونها تشكل انتهاكا خطرا لحقوق المرأة”.

 عدم الأمان يخيم عليهن

وقالت سكرتيرة رابطة المرأة العراقية شمران مروكل: انه في هذه المناسبة (اليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة)، لا تزال المرأة العراقية تعيش واقعاً لا يسر، تتعدد فيه اشكال العنف القائم بحقها. فيما غابت أي تشريعات قانونية تنصفها وتحمي حقوقها في الدورة البرلمانية الحالية، كما هو الحال في الدورات السابقة.

ونوهت مروكل في سياق حديثها مع “طريق الشعب”، الى ان “دائرة العنف ضد المرأة لم تتوقف بل مستمرة، وبرغم تفاقمها الا ان عددا قليلا فقط منها مسجل لدى المراكز او المحاكم قياسا بحجم الظاهرة”، مشيرة الى ان هذا يرتبط بأسباب عديدة منها ما يتعلق بالعرف الاجتماعي والتقاليد والعادات او المنع الذي يمكن ان تتعرض له المعنفة او الخوف والخجل.

وتابعت قائلة: ان “الحالات المعلنة كثيرة وهي عادة ما تكون مسجلة صورة وصوت من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، بينما لا تزال الإجراءات ضعيفة، فحتى الان نحن نطالب بإجراءات قوية ورادعة تمنع مرتكبي هذه الجرائم وتحاكمهم”، مشيرة الى ان هناك “عدم مبالاة بهذه القضية وعدم اهتمام، ما يؤكد مرة أخرى حاجتنا الى تشريعات قانونية رادعة ومنصفة”.

وطالبت سكرتيرة الرابطة بتشريع “قانون العنف الاسري”، مؤكدة أن “القانون معد منذ ثلاث سنوات ومهيأ، ولا يوجد أي مبرر لبقائه في أروقة البرلمان، ولا معنى لهذه الخلافات عليه التي لم تفض الى تشريعه. ومن جانب اخر هناك تناقض بين فقرات ومواد القانون العراقي؛ بعضها تشرعن العنف ضد المرأة مثل المادة 41 من قانون العقوبات. المادة الأولى التي تمنح الرجل حق التعنيف بحجة (التأديب) وهو ما نراه نحن جزءا من تعنيف المرأة”.

وفي ما يخص التشريعات القانونية أوضحت بالقول: “لم نجد أي تشريع قانوني او مادة تخص حقوق المرأة”، ملاحظة ان “الدورة البرلمانية الخامسة لم تقدم اي شيء بهذا الصدد، برغم ان عدد البرلمانيات أكثر من الدورات السابقة. كنا نأمل أن تستجيب هذه الدورة لمطالب الشارع والنساء ومنتفضي تشرين، كونها تشكلت بعد انتفاضة تشرين”.

وخلصت الى قولها ان “المرأة لا تزال تشعر بعدم الأمان في ظل اشكال متعددة للعنف تواجهها ابتداء من العنف الاسري والاجتماعي والعنف الاقتصادي والتحرش في أماكن العمل والحرمان من التعليم، وصولا الى زواج القاصرات”.

 لا تعد ولا تحصى

وعلى صعيد متصل، قالت الناشطة النسوية سارة جاسم في هذه المناسبة: ان هذا العام كحال الأعوام الماضية، حيث لا تزال المرأة العراقية تعاني من ذات الانتهاكات، وتبقى حالات التعنيف التي تتنامى عاما بعد اخر مجرد أرقام ترصد دون حراك برلماني لوضع قانون وطرق وتدابير لحماية الأسر العراقية من هذا التفكك الذي يداهمها”.

وزادت على حديثها بالقول: انه “لا تزال الجرائم التي ترتكب بحجة غسل العار مستمرة، كما أصبحت حالات العنف الجسدي جزءا من الحياة اليومية لأغلب النساء، سواء من الأزواج أو الأهل بدافع الحق بالتأديب”.

ولفتت جاسم في حديث مع “طريق الشعب”، الى ان “الحرمان من التعليم وزواج القاصرات بات منتشرا، خصوصا في أطراف المدن، بسبب الفقر وبذريعة التخفيف من العوز الاقتصادي إذ يجري تزويج الفتيات بعمر صغير لعدم تحملهم مسؤوليتها، إضافة الى الابتزاز الالكتروني الذي دمر حيوات العديد من النساء والفتيات، فمنهن من انتحرت وبعضهن تعرضت للقتل او هربت الى جهات مجهولة، لتكون ضحية للاستغلال الجنسي”.

وأكدت الناشطة المدافعة عن حقوق المرأة ان هناك “قضايا وانتهاكات عديدة لا تعد ولا تحصى. ونفتقر لإحصائيات دقيقة لكل صنف من حالات العنف”، مشيرة الى انه “لا يوجد قانون واضح وصريح ولا دور لحماية للنساء ممن لا يملكن وسيلة أو طريقة للخلاص من العنف”.

عرض مقالات: