بغداد ـ محمد التميمي

 في بلد مثل العراق يحفل بثروات ومقدرات كبيرة، ويقدر معدل البطالة فيه بحسب صندوق النقد الدولي بـ 40 في المائة، يتساءل الجميع عن الكيفية التي تتعامل بها الحكومة مع الطبقات الهشة في المجتمع؟ وما هي السياسة التي تعمل عليها لتغيير واقعهم؟

 وفي الوقت الذي تعيش فيه فئات كبيرة من الشعب ظروفا اقتصادية صعبة، كشف المركز الفرنسي للبحوث في العراق (CFRI)، عن بحث توصل فيه الى وجود 36 مليارديرا و16 ألف مليونير. بينما يؤكد معنيون ان جزءا كبيرا من هذه الاموال تضخمت من خلال الاستحواذ على العقود والمناقصات الحكومية.

 متحدث الحكومة: لا تعليق..

المتحدث الرسمي باسم الحكومة، باسم العوادي، قال لـ“طريق الشعب” انه لا يوجد عنده تعليق على الارقام المطروحة، كونها لا تمثل ارقاما رسمية، صادرة عن مؤسسات معتبرة خارجية او داخلية، انما هي مجرد تقارير صحفية، تحتمل الخطأ والصواب.

 ملاحقة مصادر تضخم الأموال

لكن المستشار المالي لرئيس الوزراء، مظهر محمد صالح قال انه على مدى 20 عاما من التقلبات السياسية والصراعات والمحاصصة، أصاب النظام القانوني خروقات كثيرة، اضافة الى ان حالة الانتقال من اقتصاد مركزي الى ليبرالية السوق، جرت بينما الاركان لم تكن مكتملة، مثل مراقبة الضرائب والمعايير النوعية وغيرها، مما يخلق هفوات وتراكما للاموال وثراء فاحشا على حساب المال العام.

وتابع قائلاً، إنه “على هذا الاساس انطلق المنهاج الحكومي، وتم تأسيس لجنة عليا لمكافحة الفساد، وجرى تشكيل هيئة ادارية عليا يترأسها رئيس هيئة النزاهة لتفعيل استرداد الاموال المنهوبة”.

واوضح صالح في حديثه مع “طريق الشعب”، ان “نظام العقود والمقاولات الحكومية في بلد ريعي مثل العراق، يفرز الكثير من الاختراقات، في ظل التزاحم السياسي والمناكفات والمحاصصة، التي ولدت زبائنية كبيرة، تبدو عملية مكافحتها صعبة.

ويجد صالح ان “واحدة من الاولويات هي ان تتحرك على الدولة على تفعيل (من اين لك هذا؟). بتعبير اخر حديث، ملاحقة مصادر تضخم الاموال”.

وأكد أن “من حق الدولة ان تتساءل ما هي الضرائب والرسوم التي دفعها هذا الثري مقابل الاموال التي امتلكها؟ وهذا السؤال مشروع”، مردفا ان هناك تعاونا بين العراق ومؤسسات الامم المتحدة، وقد عقدت اتفاقات ومذكرات تفاهم لاعتماد اليات ناجعة ومتطورة للتحري عن نشاط الاثرياء والثروة التي تحققت بقفزة واحدة، وكشف مصادر هذا النشاط، ووظيفة الدولة ان تكشف عن ذلك وان تتحقق منه.

 السلطة تغذي آفة الفساد

من جانبه، قال الخبير الاقتصادي نبيل المرسومي ان “هذا يؤشر واحدا من مظاهر سلوك الدولة الريعية، وهو سوء توزيع الدخل ولكن هذا سوء توزيع فادح، وعدم عدالة كبيرة، إذ انعكس بشكل كبير على العدالة الاجتماعية. بمعنى ان فئة قليلة من الناس تستحوذ على الجزء الاكبر من الدخل، بينما الجزء الاكبر لا يملك شيئاً”.

ونبّه في حديثه مع “طريق الشعب”، الى ان هذا مرتبط بالفساد واستغلال الجاه والمنصب، فتكونت مثل هذه الثروات التي ترتبط بالريع النفطي وقدرة البعض في الاستحواذ على الثروة، موضحاً “نحن نتحدث عن 36 شخصا يمتلكون اكثر من مليار دولار. هذا رقم كبير يعادل العدد الموجود في 8 دول مختلفة من بينها الدول الخليجية مجتمعة. كذلك الحال بالنسبة للمليونيرية فهناك 16 الف مليونير يمتلك اكثر من مليون دولار واقل من مليار”.

واشار الى ان هذا هؤلاء القلة يمتلكون ثروة تقترب من ثلث الدخل القومي او نصفه للبلد.

ولفت المرسومي في سياق حديثه الى ان “السلطة جزء من هذا الفساد، فهي من تملك الريع النفطي وهي من توزعه على هذه الفئات بأشكال مختلفة، على هيئة عقود او مكافآت وغيرها”، مؤكداً ان السلطة هي “من خلقت هذا التفاوت وشكلت هذه المافيات الكبيرة، وتعمل على حمايتها وليس ملاحقتها”.

وتابع قائلاً ان “الدولة الريعية تخلق طبقة من النفعيين يمتلكون اسباب القوة الاقتصادية، وهناك ترابط وثيق بينهم وبين القوى السياسية”، مشيراً الى ان مواجهة الفساد “دائماً ما تبدأ بالحلقات الدنيا، ويفترض انه لو كانت هنالك ارادة جادة لمكافحة الفساد فيجب ان نبدأ بالرؤوس الكبار، وهي مسألة مشكوك فيها، لان بنية النظام السياسي قائمة على المحاصصة والفساد”.

جزء منها حكومية!

الى ذلك، قال عضو مجلس مكافحة الفساد السابق، سعيد ياسين، ان “مفهوم تضخم الاموال لدى فئة قليلة من الشعب، تعبر عن فساد ونهب للاموال العامة بغير وجه حق، ما سبب تلاشي الطبقة الوسطى، لتكون هناك طبقتان، طبقة مهشمة ومحرومة تعاني الفقر والعوز. وطبقة مرفهة واسر منتفخة تتمتع بكل الامتيازات”.

واوضح، ان هذه الاموال متأتية من عدم وجود تدابير وقائية في العراق، ويتم تهريبها لتمويل اقتصاديات دول اخرى، وهي موجودة خارج العراق.

وكشف ياسين لـ”طريق الشعب”، عن مصادر هذه الاموال قائلا: ان “جزءا منها حكومي من خلال الاستحواذ على العقود والمناقصات الحكومية، اضافة الى التمتع بامتيازات هذه العقود والاستثمارات الحكومية وشركات الاعمال، التي لا تعلن عن اسماء حاملي الاسهم في هذه الشركات، بينما يتمتعون بإعفاءات ضريبية”.

وتابع حديثه عن مصادر هذه الاموال بالقول انه “نتيجة لضعف سيادة القانون وانفاذه والظروف الامنية التي مر بها العراق، ولدت جريمة اخرى عابرة للوطنية وهي تهريب النفط”.

وتابع حديثه أن “الجريمة الثانية هي ايضا عابرة للوطنية، وهي تهريب المخدرات واعادة تبييض هذه الاموال داخل العراق وتهريبها الى الخارج”.

وخلص ياسين الى ان “هذه الجرائم، جزء منها اموال عامة حكومية من الخزينة العامة، والتي سببت تراجعا في جودة الحياة وانتشار الفقر وتخلف قطاعات التربية والتعليم والصحة والاعمال، نتيجة استحواذ هذه الاطراف على قطاع الاعمال والسيطرة على المناقصات. نحن لا نعمم لكن هذه السمة العامة كمؤشرات”.

عرض مقالات: