اخر الاخبار

يعاني العراق العديد من المشاكل الخاصة بالصناعة الدوائية التي أوصلت عملية انتاج الأدوية والمستلزمات الطبية إلى مرحلة تصنيع دوائي بسيط لا يمكن مقارنته بحجم الإنتاج المطلوب لسد الطلب المحلي والتخفيف عن كاهل المواطنين الغارقين في دوامة الأدوية المستوردة التي استحوذت على الجزء الأكبر من مداخيلهم، يجري هذا كله في وقت تطورت الأمراض وتنوعت ارتباطا بتزايد حجم السكان.

  لقد سجل العراق أولى تجاربه الرائدة في مجال انتاج الأدوية بعيد ثورة 14 تموز، إذ عقدت الحكومة حزمة من الاتفاقيات مع الاتحاد السوفيتي في تلك الحقبة الزمنية، وإثر ذلك تم تأسيس الشركة العامة لصناعة الأدوية وأنشأ أول المصانع في سامراء في عام 1965 وباشر بالإنتاج الفعلي في عام 1971، واستنادا إلى قانون الشركات رقم 22 لسنة 1997 تم تغيير اسمها إلى الشركة العامة لصناعة الأدوية والمستلزمات الطبية، وتبعا لذلك تطور انتاج معمل أدوية سامراء ليشمل معظم المنتجات الصيدلانية والتي تبلغ 350 نوعا من الأدوية بالإضافة إلى غاز الاوكسجين وغاز التخدير والزجاج العلمي، فضلا عن المحاقن الطبية التي استمر انتاجها، وفي سجل هذه التجربة أيضا على سبيل المثال فإن معمل انتاج الأدوية والمستلزمات الطبية في نينوى قد برز في جودة الإنتاج وكفاءته العلاجية، لهذا فاز بشهادة الجودة الدولية ISO9001 وشهادة جودة ثانية من هيئة الاعتماد الأسترالية في انتاج العديد من المستحضرات الطبية بما فيها مضادات السرطان وملايين القناني من المحاليل الوريدية المنقذة للحياة،  لكن الدولة أدارت لها ظهر المجن عبر سياسة السوق المفتوحة والاهتمام بالاستيراد الخارجي رغم تكاليفه الباهظة بالعملة الصعبة،  لقد كان واضحا أن الهدف الرئيسي للشركة ومصانعها المنتشرة في بعض المحافظات دعم الاقتصاد الوطني عن طريق صناعة الأدوية والمستلزمات الطبية ومستحضرات التجميل وفق المعايير الدولية لكي تسهم في سد حاجة البلاد من الأدوية البشرية والأدوية البيطرية.

ومن المعلوم أن المصانع الدوائية تتوزع في محافظات بغداد والموصل وصلاح الدين وبابل وديالى وعددها 17 وحدة انتاجية تقوم بإنتاج الأدوية والمواد الصيدلانية بعد أن كان مجموعها 40 مصنعا، غير أن الكثير منها قد اختفى بسبب التغيير في نشاطها والانعطاف الكبير في سياسة الدولة التي أهملت مجمل الصناعة الوطنية ومن ضمنها الصناعة الدوائية انطلاقا من المدرسة الفكرية التي انتعشت بعد الاحتلال الامريكي.

إن التجربة العراقية لو قدر لها أن تستمر بنفس القوة التي انطلقت فيها والمستوى الذي وصلت اليه في سد حاجة السوق العراقية لكان العراق واحدا من الدول التي تتصدر في انتاج الأدوية لولا التحديات والعقبات التي واجهتها وفي المقدمة منها السياسات الحكومية واهمال دعم مصانع الأدوية والمستلزمات الطبية مما أفقدت الثقة بالمنتج الوطني واطلاق العنان لشركات استيراد الأدوية بعضها غير مجاز في استيراد الأدوية اتخذت لنفسها مكانة متميزة في سوق الاستهلاك دون رقابة أو حساب لنوع الأدوية المستوردة ناهيك عن الارتفاع الجنوني في الاسعار الذي أرهق ميزانيات المواطنين.

اننا نعتقد أن مراجعة السياسات الحكومية فيما يتعلق بالحركة التصنيعية بما فيها صناعة الأدوية من أجل تدعيم السوق الوطنية والحفاظ على العملة الصعبة وانعاش الاقتصاد يتطلب من بين أمور كثيرة قيام الحكومة بإيلاء اهتمام أكبر بمجال تطوير وتوسيع البنية التحتية لمصانع الأدوية في العراق عن طريق توسيع الخطوط الإنتاجية للمصانع الموجودة حالياً والعمل على إنشاء مصانع جديدة يمكنها توفير الحاجة المحلية لمختلف أنواع الأدوية والمستلزمات الطبية الأخرى للمواطنين وبما يغطي أغلب المحافظات العراقية، ويمكن أن يكون الدعم بواسطة تخصيص المساحات الملائمة لإنشاء هذه المصانع وأن يراعى التوزيع الجغرافي الملائم لها وبما يمكنها من أداء دورها بالصورة الصحيحة وتغطية الطلب المتزايد، كما أنّ عوامل الدعم الأخرى تتمثل بتوفير المبالغ المالية اللازمة للأعمال الإنشائية لهذه المصانع وتوفير المكائن والآلات الخاصة بالخطوط الإنتاجية لمختلف أنواع الأدوية التي ستقوم هذه المصانع بإنتاجها.

عرض مقالات: