اخر الاخبار

مثل أولادنا تنال كتبنا قدرا كافيا من الاهتمام والرعاية ، نحرص عليها منذ اقتنائها حتى توسطها رفوف مكتباتنا العائلية.. ولطالما كانت هذه المكتبات مثار اعتزاز وتفاخر لاحتلالها أركانا مهمة في بيوتنا بل حتى  يبالغ البعض منا بتغليفها بأنواع فاخرة من الجلود المذهبة الملونة لتضيف ديكورا جميلا للمنازل.

لكن مكتباتنا أصبحت تعاني للأسف إجحافا منا ومن المجتمع عموما ولم تعد المصدر التثقيفي الأول لنا، بل صارت تبدو كمن فقد هيبته بعد أن شاخ وتقدم به العمر .. أصبحت عبئا ثقيلا علينا في تنقلاتنا وسكن البعض منا في شقق أو بيوت صغيرة لا تسد مساحاتها احتياجات السكن، ومع تواصل رغبتنا بالاستزادة من الكتب وتنويع مصادر ثقافتنا تراكمت الكتب في كل مكان حتى حول أسرتنا. 

واليوم من يتجول في أسواق ومخازن بيع الأثاث قلما يجد مكتبات جاهزة للبيع ، وإن وجدت فبأسعار عالية، الأمر الذي يفرض الاستعانة بالنجارين لتفصيل مكتبة خاصة.

اللجوء للكتاب الالكتروني ساهم بالطبع في تخطي الحاجة للكتاب الورقي إلى حد ما، لكنه لم يعوضه أبدا، وبقيت الحاجة إليه محتدمة مع صدور المطبوعات الورقية الجديدة من مختلف المؤسسات الرسمية ودور النشر الأهلية، التي تواصل نشرها له دون الاعتماد على النشر الالكتروني.

المحزن في الأمر ابتعاد ثقافة الشباب والأطفال اليوم عن شغف اقتناء الكتاب الورقي، وتعلقهم بالالكترونيات المزودة بالصوت والصورة الملونة الجذابة. ومما يحز في النفس أيضا تدهور أو قُلْ “ انقراض” المكتبات الشخصية الكبيرة العامرة لكبار المثقفين من كتاب ومؤرخين وغيرهم،  والتي طالما ملأت جدرانا كاملة من غرف منازلهم.

 للأسف أصبحت هذه الكتب عبئا ثقيلا يسعى  أصحابها في حياتهم إلى التبرع بها إلى المكتبات العامة، سواء مكتبات الجامعات أو المؤسسات الثقافية ، في حين يتولى ورثة أصحابها المتوفين بيعها بأثمان بخسة إلى باعة كتب أرصفة شارع المتنبي .. وكثيرا ما نعثر على كتب لشخصيات مهمة مذيلة بإهداءات من مؤلفيها تفترش تلك الأرصفة تغطيها الأتربة وكأنها تنعى زمنا ذهبيا أفل وأصبح نسيا منسيا.

شخصيات ثقافية أخرى سعت للتبرع مجانا لباعة كتب الأرصفة خشية حتى عدم وصولها إليهم بعد وفاتهم ، مؤسسات ثقافية وأكاديمية تبنَّت مشكورة إنقاذ بعض منها  مثل مكتبة جامعتي بابل وواسط  ومكتبة دار الحكمة ، و متحف الإعلام العراقي الذي وجه مؤخرا دعوة لورثة شاعر كبير لضم مكتبته للمتحف، مكتبة المركز الثقافي البغدادي في شارع المتنبي احتوت قاعات أشبه بالغرف المغلقة  خصصت لمكتبات شخصية وضعت في “ فاترينات زجاجية” سميت بأسماء أصحابها بعد إهدائها من قبلهم أو من قبل ورثتهم..ورغم أهمية هذه البادرة لكن تعوزها ميزة إمكانية

الاستعارة أو حتى تقليبها من قبل رواد المركز .

من هنا لابد من التفكير جديا بتأسيس متاحف أو مكتبات وطنية في الأحياء والمجمعات السكنية الجديدة، تضم مكتبات من يريدون التبرع بها حفاظا على قيمها الثقافية،  بدلا من الضياع والبعثرة..

عرض مقالات: