اخر الاخبار

اذا توخينا الحديث عن الوظيفة العامة  والعمل اللائق بالارتباط مع معدلات البطالة الصاعدة في العراق لتوجب علينا الرجوع إلى مقاربة العهد الدولي مع العراق بين الحكومة العراقية والأمم المتحدة والبنك الدولي والذي كان عبارة عن خطة وطنية مدتها خمس سنوات تشتمل  على معالم إرشادية والتزامات متبادلة بين العراق والمجتمع الدولي بهدف مساعدة العراق في طريقه لإحلال السلام والإدارة السديدة وإعادة البناء الاقتصادي لمواجهة التحديات الاقتصادية والاجتماعية غير الاعتيادية لمستوى دخل الفرد وتردي عملية تقديم الخدمات الأساسية بشكل كبير .

وسلم الرواتب لموظفي الدولة يعد واحدا من أكثر المواضيع جدلية  لعدة أسباب، أولها أن موضوعة العاملين في الوظيفة الحكومية العامة من حيث عدد العاملين في الجهاز الحكومي يربو على أكثر من أربعة ملايين موظف، وان حصة الرواتب لهذا العدد الكبير تشكل أكثر من ربع الموازنة العامة، وأكثر من ثلث الموازنة التشغيلية، فان مجموع الرواتب في موازنة عام 2023 تعادل 60 تريليون دينار تقريبا، كما أن متوسط الراتب الشهري للموظف يبلغ 1،217 مليون دينار ما يعادل 900 دولار،  غير أن هذا الراتب الذي قد يبدو للبعض كبيرا وهو بالطبع مخادع لأن ثلثي عدد الموظفين يقع في الدرجات الدنيا، لكنه يعادل ربع متوسط الموظف القطري والاماراتي، ونصف راتب الموظف السعودي والبحراني، فضلا عن أنه يحتل المرتبة العاشرة عربيا والمرتبة 62 عالميا مقارنة ب 105 دولة ( مجلة CEOWORLD ) الامريكية. ويبدو أن سلم الرواتب الجدلي تحول إلى كرة طائرة تتقاذفها الأيادي بين الحكومة والبرلمان، حيث ان رئيس اللجنة المالية البرلمانية يصرح بأن سلم الرواتب يتعلق بقرار من مجلس الوزراء، فيما يشير المستشار المالي لرئيس الحكومة د. مظهر محمد صالح إلى أن سلم الرواتب مرتبط بالتوافق السياسي وأنه من حيث الجوهر ينصف صغار الموظفين والمتقاعدين ويتضمن الحدود الدنيا للمعيشة بشكل حصري وهذا هو الاتجاه الأول، أما الاتجاه الآخر فيتعلق بتخفيض رواتب الدرجات العليا.

وإذا نظرنا إلى أن  تغيير سلم الرواتب يعد واحد من أدوات نظام التوزيع هذا من جهة، ومن جهة اخرى فإن الرواتب الممنوحة لموظفي الدولة متفاوتة بشكل صارخ بين المستويات الدنيا في الجهاز الاداري، وبين العليا التي تتمتع برواتب عالية خارج اشتراطات قانون الخدمة المدنية النافذ، إلا أن جل هذه الرواتب قليل جدا ولا يتناسب مع معدلات  التضخم ومستوى الاسعار اللذين تصاعدا بشكل كبير بعد خفض قيمة الدينار ب 23 في المائة عن مستواه السابق، وزادت هذه النسبة حاليا لتصل إلى ما تزيد على 25 في المائة مقارنة بأسعار  السوق الحالية بعد تعاظم سعر الصرف في السوق الموازي وهو المهيمن عمليا. وبالنظر لارتباط العدالة التوزيعية بتوليد الدخل وتوزيعه الأولي بقطاع الزراعة والصناعة التحويلية ودورهما في الناتج المحلي الاجمالي حيث لم تزد مساهمة الزراعة والصناعة التحويلية في هذا الانتاج عن سبعة في المائة من الانفاق العام الذي أظهرته الموازنة السنوية لعام 2021 فإن العمل في أجهزة الدولة صار مصدرا رئيسيا للدخل الأسري إلى جانب البناء والتشييد والنقل والتجارة الداخلية والخدمات غير الحكومية.

إن إشكالية الرواتب بأسبابها ومسبباتها تفرض على الحكومة بوصفها المسؤولة عن رسم السياسة الاقتصادية بكل مسمياتها الانتاجية والمالية والنقدية والتوزيعية، تعديل مناهجها الاقتصادية وخططها التنموية باستهداف تحقيق العدالة في توزيع الدخل وتضييق الفوارق الاجتماعية وبالخصوص الفروقات المفزعة في الرواتب بين الدرجات العليا والدنيا، ونقترح بهذا الخصوص:

  1- إعادة النظر في النظام الضريبي السائد ونظام الخدمة والتقاعد وسلم الرواتب في الجهاز الحكومي والتعجيل في تشريع قانون الخدمية المدنية الموحد بما يقلص التفاوت في رواتب موظفي الدولة وتنظيم القوة التوظيفية بين القطاعين العام والخاص.

2- حيث أن تعديل الرواتب وفق مشروع السلم المقترح حاليا مع ما فيه من تحسن لكنه غير كاف لتحسين معيشة الموظفين مما يقتضي مراجعة ما يقتضي لتخفيض معدلات التضخم ومستويات الأسعار للمواد الاستهلاكية والأدوية وإيجارات السكن.

عرض مقالات: