اخر الاخبار

تعد عمليات غسيل الأموال التي التهمت ما يربو على نصف واردات العراق بعد عام 2003 وهي في حالة صيرورة وربما كانت (سرقة القرن) والتي اهدرت 2.5 مليار دولار وتمت بشكل غير قانوني من حساب مصرفي للحكومة العراقية وتم تبييضها من خلال مصارف خاصة والمسكوت عن تفاصيلها، وتحسب اخر أكبر عمليات السرقة وغسيل الأموال وليس اخيرها. وعلى الرغم من تحركات الحكومة العراقية في الفترة الأخيرة للحد من عمليات الفساد لكنها ليست كافية لتكون مدعاة للتفاؤل.

ومما يعزز من هواجسنا في هذا المجال تصريحات رئيس الحكومة مؤخرا بان الفاسدين يتربصون لسرقة المال العام ويجب التصدي لهم وان هناك مجموعة تنتظر الانقضاض على التخصيصات المالية المحددة في الموازنات الانفجارية. وتعد هذه التصريحات مؤشرا لاعتزام الحكومة الطعن ببعض بنود الموازنة والمواد القانونية المضافة من قبل اللجنة المالية البرلمانية ووصفت بتعديلات غير دستورية وربما الافراط في الايفادات الحكومية  المتكررة ليست الوجه الوحيد في هدر هذه التخصيصات، وبغض النظر عن الجدية في هذه التصريحات وما سيترتب عليها من اجراءات حكومية تهدف الحد من الفساد، فان عدم وضوح الإجراءات الرقابية والعقابية التي ستتخذها الحكومة  والسلطة القضائية وغياب الشفافية في طريقة ومجالات الصرف في جهاز الدولة، تجعلها بعيدة عن المعالجات الجذرية لظاهرة غسيل الأموال .

ان ما ساعد على تنامي ظاهرة غسيل الأموال واتساع نطاقها كان نتيجة لزيادة ونمو فعاليات أسواق المال الدولية والمصارف الأجنبية التي انتجتها ظاهرة العولمة، مما سهل عمليات انتقال رؤوس الأموال عبر حدود العراق واسهم في ذلك صدور اول قرارات الحاكم الإداري الأمريكي في العراق المتعلقة بحرية حركة رؤوس الأموال والبضائع، فمهد لهروب الأموال وانتشار ظاهرة الإغراق (dumping )، ومن هنا برزت عمليات غسيل الأموال بوصفها ابرز الجرائم واخطرها امام المؤسسات المالية والمصرفية والهيئات الحكومية العراقية والدولية، وفي بلادنا تعد هذه الظاهرة نشاطا اجراميا، تلاقفته نوازع الساسة المتسلطين على الدولة وقراراتها تجري ممارستها من خلال شرعية ومواقع بعض الإداريين التي اسبغت المشروعية على العوائد الجرمية او الأموال القذرة .

ولعل من الأهمية بمكان الإشارة الى التحركات التي قامت بها الحكومة العراقية للحد من الارتباك في السياستين المالية والنقدية واثرهما على التنمية الاقتصادية ويمثل قيام وزير الخارجية العراقي مع الوفد الاقتصادي والمصرفي المرافق له بزيارة رسمية الى واشنطن وبحث جملة من الملفات المهمة ومنها ما يتعلق بتطوير وإصلاح النظام المصرفي والسياسة النقدية ومواجهة التحديات الراهنة في المستويين النقدي والمصرفي واثارها الاقتصادية والاجتماعية، مساهمة  إيجابية في مكافحة الفساد وغسيل الأموال، فضلا عن اللقاء الذي جرى بين نائب وزير الخزانة الأمريكي ومحافظ البنك المركزي العراقي في إسطنبول في بداية شهر شباط الماضي، ما اسفرت هذه التحركات عن انضمام العراق الى عضوية مجموعة اغمونت لوحدات التحريات المالية على طريق تعزيز الجهود الرامية لمكافحة عسيل الأموال .

ومن الجدير بالإشارة الى ان تنامي الشواهق العمرانية والمولات والأسواق التجارية العملاقة لا تعطي الدليل على نجاح عملية التنمية والاستثمار بل هي شواهد على اتساع ظاهرة غسيل الأموال والاستحواذ على موارد الدولة، ولا بد ان تلفت الانتباه الحكومي والشعبي الى أهمية التوقف عند هذه الظاهرة المقيتة وتتبع منابعها وفي هذا المجال نقترح التالي:

1- الاهتمام الجدي بالأجهزة الرقابية الحكومية كهيئة النزاهة وديوان الرقابة المالية واللجان البرلمانية المتخصصة وتمكينها من أداء مهماتها الرقابية على أداء الأجهزة الحكومية ومراقبة حركة الصرف وتحصين كادرها ضد أساليب الاغراءات التي تمارسها منظومات الفساد.

2- تكليف الهيئات الدبلوماسية العراقية بالتنسيق مع الدول الأجنبية الممثلة فيها والشرطة الدولية والقضاء الدولي للبحث عن الأموال المهربة ومتابعة القضايا المتعلقة بها الى نهايتها والعمل على استردادها بالتنسيق مع القضاء العراقي.

3- فسح المجال امام الحركات الشعبية ومنظمات المجتمع المدني والاعلام في الوصول الى المعلومة من خلال التعامل الشفاف والاهتمام بتقاريرها الكاشفة لمظاهر الفساد وحمايتها من تهديدات منظومات الفساد وأذرعها العسكرية.

عرض مقالات: