اخر الاخبار

عندما كنت تلميذاً في الابتدائية أوائل السبعينات أخذني أبي إلى أقاربنا في منطقة الجزيرة الثالثة ــ الكباسي ــ في البصرة لزيارتهم، كانوا فلّاحين يسقون زرعهم بالناعور، شاهدت حينها ولأول مرّة الحصان الذي يدور معصوب العينين ليرفع الماء من النهر الى السواقي، كان استغرابي كبيراً وأنا أشاهده يدور دون أن يُبصرَ ما في طريقه، لم أره يتوقف إلاّ حين يُطلبُ منه ذلك!

استذكرت مشهد الحصان هذا حينما أمرونا في سجن الرضوانية سيء الصيت وبعد اعتقالنا لمدة سنة وتعذيبنا وتجويعنا ما بين عامي 92 ــ 1993 وعندما حُكِمَ بالإفراج عنّا من قبل محكمة أمن الدولة سيّئة الصيت لعدم ثبوت الأدلّة، أن نوقّع تعهداً يقضي بأن نكون صُمّاً بُكماً عُمياً، وإن اعْتُقِلنا مرة أخرى سيتم إعدامنا بلا محاكمة!

الآن وبعد أن سمعت بما تريده وزارة التعليم العالي بقرارها منع عمل اتحاد الطلبة العام في الجامعات (الحصان والرضوانية)، حيث أنهم يريدون ارغام الطلبة على السير وفق خطٍ واحدٍ معصوبي الأعين غير مسموحٍ لهم بالكلام والاعتراض على أي خطأ أو خللٍ أو يطالبون بإصلاح ما، بل يتحركون دون أن ينبسوا ببنت شفة مهما كانت الظروف، وهذا غير ممكن حتماً، لأنّ الإنسان ومنذ أن دبّت قدمه على وجه البسيطة لا يسكت على ضيمٍ أو حيفٍ أو فسادٍ او خللٍ ما أبدا، بل يتحرك قولاً وفعلاً ليصنع مصيره مهما كانت الظروف والنتائج.

واتحاد الطلبة العام معروف بعراقته التي تجاوزت الأربعة والسبعين عاما، وبعدم سكوته على الظلم والجور أبداً، ونظرة سريعة الى التاريخ الحديث نبصر الانتفاضات والتظاهرات والتضحيات والقرابين التي قدّمها من أجل حرية الوطن وكرامة الشعب وشبابه واحترام رأيهم وسماع صوتهم؛ فمن غير الممكن أن ندور معصوبي الأعين بلا خدمات ولا امتيازات ولا حقوق، وتدهور في التربية والتعليم وسوء خدمات وسلاح منفلت والوطن يفتقر لكلّ شيء!

لهذا فان على كل مسؤول أن ينظر بعينٍ متفحّصة لتاريخ طلبة العراق وشخصيّة العراقيين لأن العراقيّ لا يمكن أن يعيش تحت ظروفٍ قاهرةٍ أصمَ، أبكمَ وأعمى، بل سيثور مهما كانت المحصّلات والنتائج!

عليهم أن يفكروا بجدّية وانتماء حقيقيّ للأرض والإنسان وأن يسعوا الى فتح نوافذ وأبواب للمحبّة والتسامح وبناء الإنسان والوطن خير بناء، كي نضاهي الشعوب والأمم بتجربة وحريّة قدّمنا القرابين تلو القرابين كي نحصل عليها، بدلاً من التفكير بقرارات وقوانين تعيدنا الى الوراء بطريقة تكميم الافواه وكبت الحريّات وبث روح الشقاق والطائفيّة المقيتة وتمضي بالبلد الى الخراب والهاوية!

الطالب العراقي الذي يحمل كل ما قرأناه من إرثٍ وتاريخ لن يكون أعمى وأصمَ وأبكمَ أبدا، بل صانعاً للجمال والمحبّة والحياة تحت أعتى الظروف وأقساها.

أتمنى أن ينتبهوا لهذا!

عرض مقالات: