اخر الاخبار

من المحمودية

تدَّخر المحمودية ، وهي أكبر قضاء عراقي، تاريخا ثقافيا وسياسيا ضاربا في جذور الحضارة الرافدينية يرجع للدولة الأكدية إذ سكنها سرجون الأكدي ، كما ضمت منطقة (سبار ابو حبّة) في اليوسفية منها أول مدرسة للتاريخ وعرفت فيها أول شاعرة ( اندوخوما )ابنة سرجون . وشهد تاريخها الحديث تأسيس أول مدرسة ابتدائية في العام 1923 مع نشأة الدولة العراقية، مثلما تأسست فيها مكتبة ( ابن خلدون العامة ) في عهد الملك فيصل  الأول، ومحطة قطار، ودائرة بريد .. وبهذا تميزت المدينة بطبعها المدني الحضاري ، وأنجب تاريخها المعاصر شخصيات أدبية و فنية وثقافية مرموقة   مثل عبد المنعم الأعسم ، عامر بدر حسون ، أحمد المهنا، معاذ يوسف، قاسم حمزة، عباس الكاظم ..

تضم المحمودية  أراض زراعية خصبة غنية حتى وصفت بسلة بغداد الغذائية  .. كل هذه الرموز والشواخص بأهميتها التاريخية والجغرافية ، لم تمنحها حاضرا اهتماما كافيا بل بقيت ،كما الكثير من المناطق العراقية ،على الهامش لا تنال ما تستحق من رعاية.

 إذ تفتقر المدينة لمركز ثقافي يستقطب مواهب أبنائها من فنانين وكتاب وصحفيين ليشكل مركز إشعاع ثقافي مضاف للمركز بغداد، رغم ذلك لم تخبُ فيها جذوة الأمل وهمة الحلم  ببناء مستقبل  أفضل ، إذ تناخى مؤخرا فنانان لإقامة معرض تشكيلي متميز  في أحدى غرف مقر الحزب الشيوعي، اذ لا تتوفر قاعة تشكيلية في المدينة. وصاحب الفكرة الفنان  ضياء مهدي الذي عمل مشرفا فنيا في مدارسها طوال سنوات موجها للحركة الفنية فيها ومقيما معارض فنية لطلبتها في المدارس قبل أن يتقاعد ويتفرغ لهوايته ساعيا  لتطوير الذائقة الفنية الجمالية لأبناء مدينته  ، ونشاط الفنان مهدي لم يختلف عن سعي ودأب فنانين من أبناء المدينة  في شبابهما وهما (عباس الكاظم و قاسم حمزة) حين  أقاما المعرض التشكيلي الأول في المدينة في العام 1974 بعنوان (معرض الأصدقاء) في مكتبة ابن خلدون مستقطبين أهالي المدينة مخصصين يوما لزيارة النساء حصرا دعما لهن ، ولم  بزل  ذلك المعرض علامة مميزة بذاكرة المدينة.

المعرض الأخير لضياء مهدي وعماد قدوري (وهو فنان فطري لم يدرس الفن) قدما فيه مشاهد من ريف المحمودية بأسلوب انطباعي وبألوان زاهية  تناسب فهم المجتمع وتكسب اهتمامه وتشبع ذائقته ، فضلا عن تقديم لوحات بورتريه مع رسوم تعبيرية ورمزية متنوعة لموضوعات إنسانية عكست العلاقة العاطفية الراقية  بين الرجل والمرأة، ومنحوتات خشبية وبمادة الثرمستون ، ويعد هذا المعرض بأعماله ال 35 من الرسم والنحت أول بادرة  فنية تشهدها المدينة .

وهدفه ، برأي الفنانين، التواصل مع الناس وتقريب وجهات النظر جماليا بعيدا عن سمات العنف وإثارة النزعات الشريرة، وجذب الشباب على وجه الخصوص بدلا من تعزيز نزعاتهم الاستهلاكية في ارتياد المولات وغيرها من الأسواق، فللفن قيمة تعبيرية أولا وليست ترفيهية حسب ، و مهمة المثقف الذهاب للناس بدلا من انتظارهم  القدوم إليه  سيما  أن كثيرا منهم لم يتطلع إلى لوحة ولا يفقه شيئا عن الفن .

عرض مقالات: