اخر الاخبار

عانت الأحزاب اليسارية الجذرية في عدد من البلدان الديمقراطية مؤخراً، من تراجع ملموس في الإنتخابات، جراء قيام جموع غير قليلة من مؤيديها أما بالعزوف عن التصويت أو دعم أحزاب أخرى كيسار الوسط وانصار البيئة. وتعددت التقييمات لهذه المشكلة الجدية وطُرحت تصورات مختلفة عن أسبابها وسبل معالجتها.

فقد رأى بعض اليساريين بأن الإصلاحات الفوقية والآنية أو تلك المتعلقة بالحملة الانتخابية، لن تكون كافية لهزيمة اليمين، وإنما يتطلب الأمر تغييراً كبيراً في البرامج، التي ربما صار بعضها عاجزاً عن الاستجابة للتحديات الجديدة التي يخلقها التطور، على أن يخضع هذا التغيير لحسابات دقيقة، كي لا يؤدي لنكوص أو تراجع مؤلم، خاصة بعد أن أفضت العفوية أحياناً لشيء من الخسائر القاسية.

ويبدو أن كثيراً من هذه الآراء راحت تنحو من جديد، نحو سياسات أكثر تقدمية وجذرية، سياسات ذات محتوى طبقي واضح، ترتكز على أن إحساس الناس بالظلم لن يكون كافياً لوحده للتعرف على أسبابه، الأمر الذي ينبغي معه شن كفاح عنيد لإزالة الغشاوة وإقناع الناس بأن العدالة الاجتماعية والأمان والحرية الحقيقية لن تتاح الا في ظل الإشتراكية. 

ومرة أخرى هنا، كان الموقف من يسار الوسط، المتمثل بالإحزاب الديمقراطية الاجتماعية (يسميها البعض أحزاب إشتراكية ديمقراطية، لا بسبب ضعف الترجمة بل لغرض أيديولوجي واضح)، من أكثر القضايا إثارة للإختلاف، بين من يقلص تماماً ساحة التعاون معها وبين من يترك الأبواب مشرعة بلا حسيب. وعلى الرغم من إن دعم اليسار للديمقراطيين الاجتماعيين، في الصراع من أجل بناء دولة الرفاه الاجتماعي او الحفاظ على مكتسباتها، ما زال مقنعاً للأغلبية، فإن هناك الكثيرين ممن باتوا يلقون باللائمة على هذا التعاون كسبب للتراجع الجماهيري لأنه، وحسب تصورهم، يمثل تغييباً لتفرد اليسار في فضح مدرسة السوق الفاشلة وكشف تضارب المصالح فيها وما تسببه من تفاوت طبقي، وأخيراً وضوح رؤيته حول إنتزاع السلطة ممن يملكون لصالح من ينتجون.

وعلى العموم تتفق كل الأطراف على الإستفادة من هذا التعاون، في تصعيد الكفاح ضد العنصرية والجنسانية والعداء للأجانب ومن أجل حماية البيئة وتحسين فرص الراحة والتعليم والرعاية الصحية، وهي ميادين يُّعزز النجاح فيها الثقة بقدرة اليسار في المضي على طريق الإشتراكية. 

كما أن هناك أراء أخرى تطالب بالمرونة النسبية في التفاصيل الفكرية، بحيث يتم إطلاق يد الحزب الإنتخابي في عمله اليومي، مع بقاء الهوية الفكرية واضحة تماماً، عبر رفض سلطة الرأسمال بإعتبارها عقبة كأداء أمام الحرية وفضح وحشية السوق الرأسمالية وإضطراباتها وفوضاها وما تخلقه من أزمات. كما يدعون لتوحيد الصفوف في التصدي للحملات التشويهية الكبيرة التي تشنها بإستمرار وسائل الإعلام البرجوازية ضد اليسار وتاريخه، وتضخيمها لبعض أخطاء هذا التاريخ أو نقاط ضعف بعض البرامج، لأن التهاون في التصدي لهذه الحملات، من أهم أسباب التلكؤات الإنتخابية. 

عرض مقالات: