اخر الاخبار

في أوائل ستينيات القرن الماضي وبعد أن كبرتُ قليلاً صرتُ أعي الأشياء وأعرف ما يدور حولي، رأيتُ غابة نخيلٍ وحنّاء تُحيطُ ببيتنا في أقاصي جنوب القلب ــ جنوب الفاو ــ وشاهدتُ أهلي وهُمْ يعمّرون الأرض ويزرعونها بالخضار والفاكهة، وما أن كبرتُ أكثر حتى صرت أشاركهم الزراعة وأنا سعيدٌ بعملي وأصيرُ أسعدَ حين يجيء وقت (قصاص) التمر وجني المحصول!

أذكرُ بعد انتهاء الحرب العراقيّة الإيرانيّة وعودة الأسرى، أخذ الخال كاظم طوفان حال عودته من الأسر بإعادة بناء بيته في قريتنا التي مُسِحت من خارطة الكون إثرَ الحرب ولم يبقَ فيها أثرٌ لنخلةٍ أو شجرة إلاّ ما ندر، وبعد بناء بيته قام بحراثة الأرض المجاورة له بمساحة 400 متر مربع وترتيبها على شكل ألواح ليزرع فيها فسائل نخيل جلبها من البساتين التي لم تتضرر، تندّر عليه البعض وعابوا عليه التعب والجهد المضني رغم ما تركته سنيّ الأسر من أثرٍ عليه، إلاّ انه كان يقول لهم سأعيدُ  غابةَ النخيل كما كانت، وزرعَ أقلام الحنّاء وبذورَ الخضرة أيضاً، بعد أشهر بدأت سعفاتُ  الفسائل بالاخضرار والنمو كما براعم الحنّاء وأغصان نباتات الخضرة أيضاً، أخذ يسقيها ويداريها وبعد سنة وأكثر صار المكان بساطاً أخضر يمنحك المتعة والفرح، وبمرور الأيام والسنين ورغم ملوحة مياه الشطّ بعض الأحيان  إلاّ أن بستان النخيل والحنّاء الذي حرثه وعمّره الخال كاظم مازال يسمو بخضرته ورائحة الطلع حيث أثمرت النخيلات وأعطت ثمرة جهده وصبره ومكابداته ، كما أكّدت للآخرين إن العشق الحقيقي للأرض ومشاطرتها كل شيء يرسم صورة ألقٍ وهّاجة ويجعلها تمنحنا الكرم والمحبّة والثمار!

تذكّرت هذه الحكاية وأنا أسمع وأشاهد ما يحلّ بأرضنا الزراعية من تجريف وبيع أغلبها كعقار لتتحول إلى مجمعات سكنية وتجارية بعد أن كانت تمنح الناظر خضرتها وطيب محبتها من ثمر النخيل والأعناب وغيرها! بالإضافة إلى الإهمال المتعمّد وزحف التصحّر عليها شيئاً فشيئا.

أرضنا الزراعية بعد إهمالها تحولت إلى مساحات جرداء قاحلة ينمو فيها الشوك والعاقول وتموت النخيلات واقفةً تبكي الحبَّ والعناية وتشكو الهجر، صرنا نستورد التمر والحنّاء والفواكه والخضروات من دولٍ كنّا نصدّر لها ما تجود به أرضنا من خير وفير!

علينا أن نسعى جاهدين لإعادة الحياة إلى أرضنا ونهتمّ بالزراعة، كما ندعم الفلاحين والمزارعين ونشجّعهم على الزراعة لأننا بحاجة ماسّة اليها حاضراً ومستقبلاً، لا أن نترك الأرض نهباً للطامعين والفاسدين والجشعين كي يعيثوا فيها فسادا ويحولوها إلى مجمّعات سكنية ومولات تجارية ومخازن و(كراجات)!

علينا أن نفكّر بجديّة وإخلاص وانتماء حقيقي للوطن والناس كي نعيد الحياة لأرضنا وزراعتنا في كل مدينة وقرية!

عرض مقالات: