اخر الاخبار

أثار منشور الشاعر والمترجم عبود الجابري في نفسي شجوناً لابدّ من البوح بها إزاء ما يحدث من اجحاف وغمط لحق المبدعين من الادباء والفنانين وغيرهم ،، فهاجت تساؤلاتٌ عرّشت فوق ذرى الكلام :

لو لم يكن هناك مَنْ كتبَ ملحمة كلكامش، لما عرفنا بعضاً من تاريخنا القديم ؟!

ولو لم يكن هناك مَنْ كتبَ ملحمة المهابهاراتا، لما عرفنا بعض تاريخ الشعب الهندي ؟!

ولو لم يكن هناك مَنْ كتبَ ملحمة الشاهنامة، لما عرفنا بعض تاريخ الشعب الفارسي ؟!

ولو لم يكن هناك مدونون للألواح والتعاليم والكتب السماوية، لما عرفنا الأديان وتواريخ الأمم والشعوب منذ بدء الخليقة حتى هذه اللحظة ؟!

ولو لم يكن هناك شعراء وكتّاب وموثقون لسِيَر الشعوب، لما عرفنا أي شيء أبدا ؟!

لأن الشعوب والأمم لا تظل حيّة إلاّ بتدوين تاريخها وسيرة أبنائها، وما تتركه من أدب وفن وموسيقى وغيرها، لهذا بقينا نتداول الحكايات ونستأنس بما يُذكر من بطولات وقصص حب وغرام وأساطير هنا وهناك!

فالأولوية وقصب السبق لمن يبدع في تدوين هذه القصص والحكايات والأساطير والبطولات شعرا أو نثرا أو كتابات تاريخية وروايات، أو منحوتات وتماثيل ورسومات ومعزوفات موسيقية!

إذاً هؤلاء المدونون ــ الشعراء والكتّاب والفنانون ــ هم الثروة الحقيقية للبلدان والشعوب، الثروة التي ستبقى بعد أن تنضب كل الثروات الأخرى من نفط وصناعة وزراعة. فالثروات النفطية وغيرها عامل مساعد لتقدّم الشعوب والأمم وتطورها، بينما الأدباء والفنانون عامل أساس في خلودها عبر كل الأزمان والحقب!

لهذا علينا الاهتمام بهذه الثروة الحقيقية من خلال الوقوف على متطلباتهم واحتياجاتهم ، ودعمهم وتشجيعهم كي يبدعوا أكثر فأكثر، لا أن نتركهم في مهب الريح تتلاطم عليهم الأزمات يمينا وشمالا، ثم يسقطون بلا ناصر ولا معين، وتظل كتاباتهم ترثيهم لأنهم قدّموا عصارة أفكارهم وزهرة أعمارهم لمجتمع لم يعرف قيمتهم وثمنهم، بل تركهم يواجهون مصائرهم فرادى!

ولن يكون الاهتمام حقيقيا ونابعا من صميم ضمائرنا ونفوسنا إذا لم نقف بشكل جديّ على كل ما يديم إبداعهم ويحلّ أزماتهم، من سكنٍ يليق بهم ومصدر عيش، ومن طبع لنتاجاتهم وترويج، كذلك الاهتمام بهم صحيا ورعايتهم.

المبدعون من كل الأصناف والأجناس والأجيال هم الثروة الحقيقية والخالدة للوطن والناس جميعا، وعلى المسؤولين أن يعوا هذه الحقيقة ويلتفتوا إليهم، فهم ذاهبون وسيبقى المبدعون. وما عليهم سوى أن يتركوا أثرا أو بعض ذكرى من خلال اهتمامهم بثروتنا الحقيقية بشكل حقيقي وصادق، بعيدا عن الفساد الذي أكل الأخضر واليابس وأضاع البلاد والعباد!!

 

عرض مقالات: