اخر الاخبار

كشفت وزارة التخطيط عن الوثيقة الوطنية للسياسات السكانية بعيدة المدى التي  تتكون من ستة محاور تتعلق بجميع القطاعات الاقتصادية والخدمية، ويبدو أن الوزارة كانت متفائلة بنجاح هذه الوثيقة بوصفها بديلة عن استراتيجيات خطط التنمية السابقة التي لم يحالفها النجاح لجملة من الأسباب حددتها الوزارة  بالأزمات التي مر بها العراق الأمنية والاقتصادية، وآخرها وليس أخيرها جائحة كورونا (كوفيد 19) لكنها لم تتحدث عن مشروع الإحصاء السكاني المتأخر منذ اربعة وعشرين عاما  أي منذ عام 1997 كما أن آخر التعدادات السكانية التي يستمر العمل بقيود المواطنين تم في عام 1957.

لكن الوزارة رغم قيامها بتوفير بعض الإحصاءات المتعلقة ليس فقط بما يتعلق منها بعدد السكان وانما تشمل البيانات المتعلقة بالاقتصاد والمجتمع والثقافة وغيرها، إلا أن هذه البيانات التي تردها من الدوائر الحكومية والوحدات المتخصصة المرتبطة بها تفتقر إلى الدقة والنقص الشديد وغالبا العشوائية خاصة في الوحدات الإدارية المرتبطة بالمحافظات الساخنة، وأن الكثير منها يعتمد على التخمين، لهذا نرى اختلاف الارقام وتناقضها في غالب الأحيان وهنا تنهض الحاجة الماسة للقيام بإحصاء سكاني عام.

فالإحصاء العام والشامل  يوفر المعطيات التي يتطلبها التصنيف الوطني للأنشطة الاقتصادية والاجتماعية والتوزيع السكاني، وهذه المهمة لابد أن تأخذ في الاعتبار عند إعداد الاستمارات الاحصائية إيجاد إطار عام للمقارنة بين هذه الانشطة والفعاليات على اختلاف عناوينها وعلى الاخص استراتيجيات التنمية المستدامة  وتبيان مؤشرات تطورها على المستوى الكلي والمستوى القطاعي، كما أنه من الضروري الاستفادة من البيانات الاقتصادية التي توفرها مخرجات الإحصاء واستخدامها في إيجاد علاقة بين المؤسسات الاقتصادية ودورها في رسم السياسات الاقتصادية في البلاد عموما سعيا لفك رموز الازمة الاقتصادية المستفحلة وإيجاد المعالجات اللازمة .

كما أن النتائج المتعلقة بعدد السكان تعكس لنا التغيرات السكانية وانعكاسات الهجرة إلى بلدان اللجوء على الموارد البشرية وخاصة من فئة الشباب والخريجين والكفاءات الوطنية من مختلف الاختصاصات باعتبارها عوامل مهمة في حركة النشاط الاقتصادي والاجتماعي.

وتوفر لنا المخرجات الاحصائية السكانية بالإضافة إلى ما تقدم عدد الرجال وعدد النساء على أساس المهن والعمر ونسبة المتعلمين والأميين من كلا الجنسين بالإضافة إلى عدد العاملين في القطاعين الحكومي والخاص وعدد العاطلين وطبيعة سوق العمل ومدى استعداده لاستيعاب الخريجين الذين يقدر عددهم السنوي ب 350 ألف بما تسهم في رسم سياسات التوظيف في القطاعين.

بيد أن الإحصاء الذي نتحدث عنه يواجه في الظروف الراهنة العديد من التحديات ليس بسبب الاوضاع الأمنية وقلة الأموال الكافية وأسباب إدارية وتقنية فقط، وانما وهذا هو المهم غياب الإرادات السياسية وصراع القوى الحاكمة على شكل الاستمارة الاحصائية حول شكل ومضمون الايضاحات المتعلقة بالهويات الطائفية التي درجت عليها في تأمين مصالحها السياسية، في قضية إشكالية غادرها الحكم الملكي في عام 1935 ولا تتناسب مع عمليات التغيير المنشودة واستنهاض الوطن من جديد.

إن وزارة التخطيط وهي تتحدث في مناسبة وأخرى عن عمق الأزمة المالية المربكة مع أنه توجد وفرة مالية وما يصاحبها من أزمة اجتماعية متشابكة فإن في إجراء الإحصاء السكاني ستجد الحلول المناسبة للتخلص من هذه الأزمات، وبالتالي يتعين عليها توفير مقومات الإحصاء من خلال:

  1. قيام الجهاز المركزي للإحصاء في وزارة التخطيط للقيام بالتنسيق مع وزارات الدولة كافة بما فيها إقليم كردستان للاتفاق على وضع استمارة إحصائية شاملة مدنية الطابع لكافة القطاعات الاقتصادية والاجتماعية والتربوية والأحوال الشخصية للمواطن خالية مما يفرق المواطنين ويحبط آمالهم.
  2. العمل على وضع خطة متكاملة لعملية الإحصاء تشترك فيها وزارات الدولة وأجهزتها كافة وتحشيد الموارد البشرية والمادية الكافية للقيام بهذه العملية المهمة وشمول كافة محافظات العراق بما فيها الاقليم، بعملية الإحصاء واستخدام التقنيات التكنولوجية للتسريع بإنجاز هذه المهمة.
  3. الاستفادة من تجارب الدول الأخرى المشابهة لظروف العراق وتجارب الإحصاءات السكانية السابقة وعكسها على هذه العملية وصولا إلى بيانات شاملة تخدم عملية التنمية المستدامة.
عرض مقالات: